ماذا جنينا من قمة العشرين يا وزير المالية؟
ما إن رفعت آخر جلسات قمة العشرين التي عقدت مؤخرا في سانت بطرسبورغ في روسيا؛ حتى تناقلت وكالات الأنباء والمحللون وكتاب الرأي حول العالم نتائجها ومقرراتها، وتناولوها بالتحليل المعمق والشرح المفصل. ولقد كان التركيز في وسائل إعلام معظم الدول الأعضاء على إعداد كشوفات أرباح وخسائر بلادهم على المستوى الجزئي من حضور تلك القمة. نعم نعرف أن هناك قرارات اتخذت على المستوى الكلي للعالم؛ من أهمها تعزيز أدوات الشفافية ومزيد من السيطرة على التهرب الضريبي الذي تمارسه الشركات متعددة الجنسية بحق الدول النامية التي تستضيفها، ونعرف أيضا أن مجموعة دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب أفريقيا) قد تمكنت أخيرا من شق عصا الطاعة على مؤسسات النظام الاقتصادي القديم وتمكنت من إنهاء ترتيبات إنشاء صندوق خاص برأسمال يصل إلى (100 مليار دولار) بدعوى ضمان استقرار عملاتها وحمايتها من التقلبات الحادة لأسعار الصرف العالمية فيما يمكن اعتباره في الواقع بداية لتشكيل مؤسساتي لنظام اقتصادي بديل أو موازٍ للنظام الحالي الذي تهيمن عليه القوى الغربية، والذي اتضح ضعفه ورداءة حلوله وانغماسه منذ الأزمة الاقتصادية أواخر سنة 2008 وحتى الآن بإيجاد الحلول لأزمات الديون الغربية والأمريكية وابتكار حلول لها حتى وإن كانت على حساب الدول النامية. ولكن نعرف أيضا أن قرارات وحلولا ونتائج على المستوى الجزئي للدول منفردة قد تحققت، منها أن الهند تمكنت من إقناع اليابان بتعزيز خط التمويل المفتوح لحسابها بالزيادة من 15 إلى 50 مليار دولار. وروسيا أعلنت أنها ستخفض الإنفاق الحكومي بمقدار 5% في ميزانية 2014/2015 وأنها تدعم كافة العائلات الروسية التي تعيل طفلين وأكثر منذ 2007 وحتى 2015 بمبالغ مقطوعة وصلت إلى 408.960 روبل (15 ألف دولار) للعائلة الواحدة سنة 2013. ونعلم جيدا أن إثيوبيا تحضر المؤتمر بصفتها صاحبة أكبر مخزن مياه في العالم وسلة قادمة للغذاء الأوروبي وتحظى من أوروبا باستثمارات مذهلة في سدودها ومشروعاتها الزراعية حتى وإن كان الثمن مزيدا من الفقر والبؤس في دولتي المصب.
ولذلك حق لنا التساؤل عن أسباب حضورنا لهذه القمة؟ وما هي مكاسبنا من ورائها؟ هل نحضرها لأننا دولة لديها بترول وفوائض مالية فقط؟ وماذا كسبنا من هذا الحضور؟ لم نسمع أو نرى عن دورنا في المؤتمر الأخير غير صورة لمعالي وزير المالية إبراهيم العساف وهو (يسولف) مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على منصة عامة وليس في اجتماع عمل ثنائي. وفي مؤتمر سابق قرأنا وسمعنا عن دعم بلادنا لصندوق النقد الدولي لمواجهة الديون الأوروبية من غير الحصول في المقابل على قوة تصويتية مكافئة لحجم المشاركة. ولم نسمع من معالي الوزير أي تصريحات عن مكاسب ملموسة لبلادنا من المؤتمر الأخير ولا ما سبقه من مؤتمرات غير أن حضورنا يعتبر تكريما لبلادنا وأننا قوة مالية واقتصادية إقليمية كبيرة وغير هذا من الكلام.
وحتى الصحفيين غير المتخصصين الذين يحظون بحضور مثل هذه القمم لا يرتقون إلى مستوى الحدث بالشرح والتحليل، ربما لعدم التخصص وحتى الضعف في التأهيل باللغات الأجنبية، وكل ما تقرأه من كتاباتهم وصفي سطحي لا قيمة له، وكل ما تسمعه منهم لا يزيد عن الإعجاب بالطبيعة الخلابة وخلق الله الخلابين الذين يعيشون فوقها.
إن كان حضورنا للمؤتمر كممثلين عن الخليج والعالم العربي فلم لم نشكل حتى الآن تكتلا اقتصاديا عربيا قادرا على الحوار والمساومة وتحقيق المكاسب؟ وإن كنا نمثل أنفسنا بهذا الحضور فما هي المكاسب التي تحققت لبلادنا من هذا الحضور منذ أول مرة دعينا فيها لهذا المؤتمر وحتى هذه اللحظة؟ ثم ما المانع من انضمامنا لمجموعة الدول الناشئة (بريكس) التي تبلغ تعاملاتنا التجارية المدنية معها أضعاف تعاملاتنا مع غيرها، ثم أننا أكثر منها حاجة لتطوير أدوات ووسائل لضمان استقرار عملتنا وسلامة توظيف فوائضنا المالية التي تقبع في سندات خزانة دول غربية كبرى؟ آمل أن تجيب يا معالي الوزير، فمن حق المواطنين أن يعرفوا كافة الحقائق، والكلام المرسل لم يعد يلقى آذانا صاغية.
نقلا عن جريدة عكاظ