الأحد، 29 ديسمبر 2013

الاستثمار الأجنبي.. متى يضيف؟

الاستثمار الأجنبي.. متى يضيف؟
راشد الفوزان
هيئة الاستثمار تعلن عن إغلاق مزيد من المنشآت "الأجنبية" التي أتت تستثمر ببلادنا يقارب الإغلاق الآن 800 منشأة، وحين نزيد وندقق أكثر قد نغلق أكثر، الاستثمار الأجنبي جلب بنا 310 آلاف تأشيرة أجنبية، هل هم يضيفون وفاعلون وخبرات باقتصادنا؟ لا أعلم ولم ينشر تفصيل. هل تلمسون دور الاستثمار الأجنبي ببلادنا؟ فنادق، جامعات، مصانع، مستشفيات، ورش صناعية، خبرات، تعلم، تدريب ... يتنوع الاستثمار الأجنبي وأهميته تأتي من أنه مصدر "للمال الجديد" أموال تضاف للاقتصاد جديدة لا مدورة.
حين تركز على النفط والبترول في الاستثمار الأجنبي سنوافق عليه حين يكون لديه ما يضيفه من "صناعة" مضافة، تقنيات جديدة، تصنيع، شيء لا نملكه أو نقدر عليه ويساندنا في تعظيم الاستثمار في النفط ومشتقاته.
الاستثمار الأجنبي صورة إيجابية وممتازة، ولكن ليس على إطلاقة بل بضوابط وشروط، لماذا لا تنشر هيئة الاستثمار كم حجم التدفق النقدي للاستثمار الأجنبي وما أضافه للاقتصاد الكلي الوطني؟ ما هي المصانع التي أتت وتعمل ببلادنا؟ ماهي الخبرات المضافة؟ ما هي الخطط وماذا تحقق؟ ما هي المصاعب والتسهيلات لديها التي قد تواجهها أو تقدمها؟ أسئلة كثيرة نسوقها لهيئة الاستثمار هل فعلاً هي تضيف للاقتصاد الوطني، أم غرقت ببيروقراطية حكومية ولم تخرج منها؟ أم تورطت بالاستثمار الأجنبي وما رخص له سابقا وهي تعمل على "تنظيف" الترسبات السابقة.
هل تعتقد هيئة الاستثمار أن "الصمت" و"الغياب" الإعلامي حل؟ ليس حلا، بالتأكيد الوطن والاقتصاد والشباب ينتظرون منكم الكثير وهي مسؤولية تتم تحت مسؤوليتكم، وهي همّ وطني كبير وهو "تنويع" مصادر الدخل، هل تم إضافة للاقتصاد الوطني؟ ليس شرطاً أن يكون مالا فقط، بل بناء "قوة بشرية" بتدريب وتعليم وخبرات، ماذا تم حول كل ذلك؟
أثق أن محافظ هيئة الاستثمار المهندس العثمان يعمل ويجتهد ووفق حوار سابق معه، يحتاج الوقت وأعتقد مرور أكثر من سنة كافية لبيان الصورة ووضوح الرؤية، فما هي الرؤية؟ ماذا تغير أو سيتغير؟ ماذا يحدث؟ لأننا ننتظر منكم "كهيئة" الكثير والعون الكبير للاقتصاد الوطني وهو لم يأتِ وفق رأيي الشخصي لحد الآن، هيئة الاستثمار دورها كبير ومصدر هام لاقتصاد أي دولة، وعمود فقري لكثير من الدول، فهل الهيئة بيدها فعل ذلك أم غرقت بدهاليز حكومية وإجرءات تعطلها كغيرها؟ لا نعلم اصبحت هيئة الاستثمار مجهولة لدينا لا أرقام ولا مؤشرات ماذا تعملون؟!
نقلا عن جريدة الرياض.

ميزانية البنود

ميزانية البنود
عيسى الحليان
على الرغم من ظهور موجات متتالية من أساليب الموازنات الحكومية، إلا أن وزارة المالية ماتزال متمسكة بميزانية البنود والمراسيم منذ 1938 وحتى الآن.
ورغم أن هذا الأسلوب الذي لم يعد يتناسب مع الدورة الاقتصادية للبلاد، إلا أن معالي وزير المالية كان واقعيا عندما قال عام 1425هـ إن موازنة البنود هي الأكثر ملاءمة للبيئة الإدارية المحلية وهذا يعني أنك لا تستطيع تطبيق موازنة صفرية أو موازنة أداء وبرامج على أجهزة حكومية مركزية لم يتم تحديثها لتواكب الميزانيات الحديثة.
الموازنة ليست سوى كشف حساب سنوي للدولة، وأنت لا تستطيع استخدام تطبيقات مالية أو محاسبية متقدمة إذا كان المستخدم غير متكيف معها.
صحيح أن بعض الدول انتقلت للعمل بنظام الموازنة التعاقدية وهي أحدث النظم وأفضلها بالنسبة للمملكة بعد أن تجاوزت هذه الدول الميزانية الصفرية وموازنة الأداء لكن التحديث يفترض أن يكون حزمة متكاملة.
عندما بدأت المملكة في اتباع ميزانية البنود كان يعد من أفضل النظم المعمول بها في ذلك الوقت، لكنها لم تبرح دائرة هذا الأسلوب، بينما الأشكال الجديدة للميزانيات تطورات بعيدا.
*نقلا عن جريدة عكاظ السعودية.

الاثنين، 9 ديسمبر 2013

حول مجلس التعاون وموقع المملكة

حول مجلس التعاون وموقع المملكة

د. توفيق السيف
أشعر أن كثيرا من الناس، وربما بعض السياسيين، قد صدموا بتصريحات يوسف بن علوي وزير الخارجية العماني التي تتلخص في أن مجلس التعاون لا يخلو من خلافات بين الدول الأعضاء، وأن فكرة تطوير المجلس إلى اتحاد كونفيدرالي، التي طرحت قبل بضع سنوات، لم تعد قائمة، لأن بعض الأعضاء ــــ ومنهم عمان ـــ ليسوا راغبين فيها.
الصدمة التي تظهر في طيات الصحف مرجعها في ظني قلة المتابعة لأعمال المجلس. ثمة قائمة طويلة من الاتفاقات التي أقرت على مستوى القمة أو على المستوى الوزاري، ولم تنفذ أو أنها تعطلت في منتصف الطريق. وقد كتب عنها الكثير في أوقات متفرقة. على مستوى السياسة الخارجية فإن تباين الأولويات بين دول المجلس لا يخفى على أحد. وهو ظاهر بأجلى صوره في الموقف من الأزمات الإقليمية.
ما يهمني في حقيقة الأمر هو موقف المملكة التي يبدو أنها تولي اهتماما بالغا لمجلس التعاون والعلاقات مع أعضائه. وأجد أنها أعطت هذا الموضوع أكثر من حقه وصرفت وقتا وجهدا في غير طائل. في نهاية المطاف فإن الحجم البشري والاقتصادي والسياسي للمملكة لا يقاس أبدا بمجموع الدول الأعضاء الأخرى، فضلا عن آحادها. ولعل القراء يعرفون ــــ كمثال على الحجم الاقتصادي ــــ أن استهلاك الكهرباء في المنطقة الشرقية بمفردها يعادل أو يتجاوز استهلاك الكهرباء في مجموع دول المجلس الأخرى. بعبارة أخرى فإن العلاقة الخاصة مع دول المجلس لا تضيف شيئا عظيما إلى اقتصاد المملكة أو سياستها الدولية.
لا أدعو هنا إلى الخروج من المجلس. أعلم أن هذا ليس قرارا عقلانيا في مثل هذا الوقت. لكني أرى أن مستوى العلاقات المجلسية قد بلغ غايته، ولا يبدو ثمة إمكانية لتجاوز المستوى الراهن. ليس منطقيا ـــ والحال هذه ــــ أن نتطلع إلى ما هو أفضل من الحال التي عبر عنها بصراحة الوزير العماني.
البديل الأنسب في ظني هو الاتجاه إلى تحالفات مع الدول التي تشكل إضافة جديدة، على المستوى السياسي أو الاقتصادي. إذا كنا نفكر في الاستراتيجية، فالعمق الاستراتيجي لبلد مثل المملكة هو اليمن والسودان ومصر والعراق، وليس البحرين وقطر والإمارات. وإذا كنا نبحث عن أسواق للصناعة الناشئة في بلدنا، فإن السوق الحقيقية موجودة في بلدان الكثافة السكانية، والبلدان التي تمر بمرحلة إعادة إعمار، فضلا عن الأسواق الصاعدة مثل شبه القارة الهندية وشرق آسيا. وإذا فكرنا في اللاعبين الإقليمين فأمامنا تركيا وإيران ومصر.
إن المزيد من الانشغال بمجلس التعاون لن يأتي بمنافع إضافية على أي مستوى. بل ربما يؤدي إلى تقزيم الدور الإقليمي والدولي الذي يمكن للمملكة أن تلعبه، وفاء بتطلعاتها أو ضمانا لأمنها القومي. وأحسب أن على المملكة أن تفكر في محيط أوسع ودور أكبر، دور يتناسب مع حجمها ومكانتها وحاجاتها الاستراتيجية.
نقلا عن جريدة الاقتصادية

هل انتهى حلم اتحاد دول الخليج؟

ليس إلا

هل انتهى حلم اتحاد دول الخليج؟

صالح إبراهيم الطريقي

في الوقت الذي كان عشرات الآلاف يقفون في ميادين «كييف» عاصمة أوكرانيا معربين عن احتجاجهم على رفض الحكومة توقيع اتفاق مهم مع الاتحاد الأوروبي، ويصرون على ذهاب الحكومة باتجاه الاتحاد الأوروبي.
كانت صحف ومواقع إعلامية لدول الخليج تبشر الشعوب الخليجية بموعد إصدار العملة الخليجية الموحدة، لكن المجلس النقدي الخليجي لم يمنح شعوب الخليج الفرصة، ليكملوا حلمهم هذا، إذ قيل لهم : «لا تحلموا كثيرا، فهذه شائعة».
ثم جاء الاجتماع الذي يسبق اجتماع قادة دول المجلس المقرر إقامته اليوم الثلاثاء في الكويت والذي عادة ما يعد ويحدد القضايا التي سيناقشها ويصوت عليها القادة، لتطرح المملكة ورقة «انتقال مجلس التعاون لمرحلة أكثر تطورا، ليصبح اتحادا لدول الخليج، أو اتحادا كنفدراليا بين دول مستقلة ذات سيادة داخلية، وحكومة مركزية تقر عملة موحدة وتهتم بالشؤون الخارجية وعلاقة الاتحاد بالدول وأمن الدول». فجاء رد وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عمان «يوسف بن علوي» ليعلن : «نحن ضد الاتحاد ونعارض إقامة اتحاد بين دول مجلس التعاون، وفي حال قررت الدول الخمس الأخرى إقامة هذا الاتحاد فسننسحب»، ثم راح يوضح الأسباب : «عمان تاريخيا ظهرها للخليج، ومصالحها الاستراتيجية مختلفة عن باقي الدول الخليجية على مدار التاريخ، ونريد أن نظل كما نحن».
هل هذا الإعلان هو رصاصة الرحمة أطلقها «علوي» على حلم كانت الشعوب تطارده أكثر من 40 عاما ؟
يخيل لي أن البدايات أو الولادة دائما ما تكون صعبة ومؤلمة، ولا يشارك بها الجميع بسبب مخاوفهم مما هو جديد، لكنه مع الوقت والعمل لإنجاح «الاتحاد الكنفدرالي»، وجعله ينمو اقتصاديا وسياسيا ويحقق مزيدا من الأمن القومي لشعوب دول الخليج، سيجعل الدول التي لم تشارك أو انسحبت تعيد حساباتها، وتحاول الدخول لهذا الاتحاد، كما تفعل حكومة تركيا التي تحاول كثيرا مع «الاتحاد الأوروبي» بأن يقبلها عضوا معهم، أو يجعل شعوبها يضغطون على حكوماتهم للدخول بالاتحاد، كما يفعل الشعب الأوكراني الذي رأى ما الذي يحققه «اتحاد الدول».
فهل تمضي دول الخليج في إقرار «اتحاد دول الخليج» وإن لم يكتمل العقد في البدايات ؟
هذا ما أتمناه وربما ما تتمناه غالبية شعوب دول الخليج.
نقلا عن جريدة عكاظ

2014.. عودة أميركا

2014.. عودة أميركا
سنة أخرى تستعد لتوديعنا؛ 2013 تجهّز نفسها للرحيل بعد أحداث كثيرة ومتشابكة ومتنوعة، منها ما كان مفاجئا، ومنها ما كان صادما وبامتياز كبير. والعالم الآن يحاول التقاط أنفاسه واضعا يده على قلبه ترقبا لاستقبال 2014 بحذر وقلق. سأحاول قراءة أهم المؤشرات «المتوقعة» للسنة المقبلة، وذلك بناء على معطيات وقراءة اتجاهات سياسية واقتصادية تتشكل وتتركب بهدوء.
المؤشر الأهم الذي سيؤثر بشكل واضح ومباشر على العالم أن أميركا قررت أن تكشر عن أنيابها اقتصاديا، وهذا بطبيعة الحال سيكون له أكبر الأثر الممكن توقعه وتقديره على العالم؛ فأميركا «تقلص» بشكل واضح من اهتمامها بمناطق، مثل الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأوروبا، للتفرغ للمواجهة الباردة مع الدب الصيني، الذي ينمو بشكل مطرد، وتعلم أن نمو الصين مسألة حتمية، والمواجهة «المباشرة» ستكون صعبة، ولذلك ستلجأ أميركا «للتحكم» في مصادر الطاقة، التي هي محرك نمو اقتصاد الصين.
وهذا يفسر رغبة أميركا في احتضان إيران، حتى تضمن سيطرتها على قطاع كبير من الدول المنتجة للنفط، فإيران لديها إنتاج يبلغ أربعة ملايين برميل يوميا، وثاني أهم احتياطي نفطي، وتكثف أميركا بقوة استثنائية من إنتاجها من النفط الصخري، وخصوصا أنها صاحبة ثالث أكبر احتياطي منه في العالم (بعد الصين والأرجنتين، إلا أنهما لا يملكان التقنية اللازمة لاستخراجه)، وهناك نية واضحة لدى أميركا لأن تعيد نفسها كمركز مهم للصناعة، بعد أن فقدته لصالح دول الشرق الأقصى عبر السنوات الأخيرة.
ولكن عودة الصناعة لأميركا ستكون بشكل مختلف وصورة جديدة تعتمد فيها على تقنية مضاعفة ومزايا منافسة استثنائية، مثل الطباعة ذات الأبعاد الثلاثية التي ستلغي تماما عوامل الشحن والنقل من حسابات تكلفة التصنيع، وكذلك التطور في آليات التصنيع وتطور فعاليتها، فمثلا فتحت شركة «بي إم دبليو» مصنعا لها لصناعة هياكل السيارات في الولايات المتحدة، بتكلفة تفوق مائة مليون دولار، ويبلغ عدد العاملين فيه 16 عاملا فقط!
وكذلك الأمر بالنسبة للتوظيف المدني للطائرات بدون طيار (الدرون)، التي ستوظف في النقل (كما تعتزم ذلك شركة «أمازون» العملاقة للتسوق عبر شبكة الإنترنت، التي تعتمد إيصال طلبات عملائها بطائرة بدون طيار خلال 30 دقيقة بعد تقديم الطلب). وكذلك ستوظف القطاعات الأمنية والطبية والمرورية، مع عدم إغفال التطور الهائل الحاصل في تقنيات الغاز والكهرباء كمصدر للطاقة في السيارات بشكل سيؤثر، ولا ريب، على استهلاك النفط ونوعية الصناعات المستخدمة له.
وكذلك سيكون هناك نقلات نوعية في مجالات التقنية العالية والهندسة الوراثية، التي ستنعكس على الصحة ونوعية الحياة وجودتها. الأدوية التي ستنتج ستكون بمثابة قطع غيار للجسم، حيث ستتطور آليات الطباعة الثلاثية الأبعاد مع تطور الصناعة الدوائية، بحيث من الممكن تكوين أنف صناعي وأذن صناعية وغير ذلك من الأجهزة القابلة للاستبدال.
أميركا تضع اليوم نصب عينيها استعادة إرثها الاقتصادي، وتراهن على أنها تعافت من الأزمة الاقتصادية العالمية الكبرى، وتستمر في سياسة الخروج من الالتزامات العسكرية، وإغراق السوق العالمية بكمّ مهول من الدولارات المطبوعة، حتى يجري الإبقاء عليها كالعملة الدولية الأولى دون منافسة.
أميركا تكشر عن أنيابها الاقتصادية وبقوة، وسنرى أن عام 2014 هو عام العودة الأميركية كقوة اقتصادية لافتة، ولكن ستركز كل جهدها على السوق الآسيوية، التي سيصل عدد أفراد الطبقة المتوسطة فيها، بحلول عام 2020، إلى مليار وستمائة مليون نسمة، وهو رقم مغرٍ جدا ويسيل له اللعاب بالنسبة للشركات الأميركية المصنعة للمنتجات الاستهلاكية المختلفة. تبعات الحراك الأميركي «القوي» على الساحة الاقتصادية ستكون واضحة الملامح على العالم في مجالات العقار والعملات والمعادن والمواد الأولية وأسواق الأسهم. 2014 عام الانتعاش الاقتصادي.
نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"

السبت، 23 نوفمبر 2013

اقتصاديات القطاع الخاص في المملكة

اقتصاديات القطاع الخاص في المملكة
نحن جميعنا نلقي اللوم على القطاع الخاص ونصفه بأنه اناني جشع لا يرغب في توظيف المواطنين. بينما القطاع الخاص بدوره يلقي اللوم على الشباب بأنهم كسالى غير مؤهلين للعمل. ولكن للإنصاف فان اللوم لا يقع بكامله على القطاع الخاص وحده بل تشاركه اللوم الجهات المسؤولة عن التخطيط وتنظيم اسواق العمل. اما الشباب – فكما سيتبين لنا ادناه – فهم الضحية (كبش الفداء).
القطاع الخاص لدينا قطاع ناشئ (معظم رجال الاعمال طرش خطط التنمية) كان صغيرا ثم بدأ يكبر بسرعة عشوائيا منذ عام 1970 (لاحظ انها سنة بداية خطط التنمية) مستغلا التسهيلات السخيّة التي وفّرتها له الدولة الرشيدة كالإعانات والقروض الحسنة والاعفاءات – ولنقص القوى العاملة الوطنية حينذاك – سمحت له الدولة باستقدام جميع عماله من الخارج على امل ان الامر لن يطول حتى يتم اعداد القوى العاملة الوطنية (كما كانت تعدنا وزارة التخطيط) ومن ثم يتم احلالها تدريجيا محل العمالة الأجنبية التي ستعود لأوطانها مشكورة وفقا للهدف الثاني لخطة التنمية الأولى (قبل 44 سنة) ونصه: "تطوير الموارد البشرية.. وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية".
كذلك القوى العاملة الوطنية الحالية جميعها (من سن 16 سنة الى سن 60 سنة) عمالة ناشئة مولودة او لم تبلغ سن الدخول لسوق العمل الا بعد ميلاد خطط التنمية عام 1970 ومعنى هذا ان هيكلة واوضاع اسواق العمل لدينا الآن هي أيضا صنيعة خطط التنمية.
نستخلص من هذا العرض انه سواء رجال الاعمال او القوى العاملة الحاليين هما طرش خطط التنمية فكلاهما ولد وتطور واخذ شكله الحالي تحت بصر وسمع ومباركة وزارة التخطيط.
قبل عام 1970 (قبل بداية خطط وزارة التخطيط) كانت جميع الاعمال والمهن لدينا يقوم بها المواطنون وحدهم. لقد كان رجال الاعمال الكبيرة يباشرون أعمالهم بأنفسهم ومعهم ابناؤهم واخوانهم واقاربهم وأصهارهم وكان جميع عمالهم من المواطنين. كذلك كانت جميع المنشآت الفردية والصغيرة والمتوسطة كالبنائين والنجارين والحدادين والكهربائيين والسباكين والخياطين والخبازين والحلاقين والسائقين وحائكي البشوت والاسكافيين وحتى الزبالين يقوم بها المواطنون.
ولكن عندما جاءتنا وزارة التخطيط بخططها جاءت معها بالعمالة من كل حدب وصوب، ولا يمكن القول ان التنمية كانت تحتاج استقدام كل هذه العمالة، لأنه إذا كان صحيحا ان الاستقدام من اجل احتياجات التنمية فقط، فلماذا اذن فتح الباب للعمالة السائبة والمتسولة والبائعين في الدكاكين والبسطات داخل الحواري وملاحق البيوت ومواقف السيارات وامام المساجد بينما هذه العمالة لا علاقة لها بالتنمية. لقد سلّمت جميع هذه الاعمال بكاملها للوافدين وانتشرت عملية التستر وهجر المواطنون المهنيون مهنهم وفضلوا ان يمتهنوا – مضطرين – مهنة المتسترين او ينضمون الى طابور حافز والضمان الاجتماعي وصندوق الموارد البشرية لان مهنهم لم تعد تؤكّلهم عيشا لمنافسة عمال السخرة.
ما مضى لقد مضى ولا يمكننا تغيير الماضي. ولكن آن الأوان الآن لأن تتدارك وزارة التخطيط الأمور فتضيف هدفا الى اهداف خطة التنمية القادمة (ولو حبر على ورق لإبراء ذمّتها) ينص على: "إيقاف الاستقدام كليا والتخلص تدريجيا من العمالة التي لا حاجة لها. أما الذين نحتاجهم فإنه يجب حسن معاملتهم واعفاؤهم من الكفيل والاكتفاء بوجود عقود عمل عادلة تربطهم بالجهات التي يعملون فيها".
*نقلا عن صحيفة الرياض.

طرد السفير التركي من القاهرة

أخيرا كشرت مصر عن أنيابها واتخذت موقفا حاسما ضد الحكومة التركية التي تمادت مطولا في الشأن الداخلي المصري، وذلك من خلال طرد السفير التركي من القاهرة، واستدعاء السفير المصري من أنقرة، وتخفيض العلاقات بين البلدين إلى مستوى الAقائم بالأعمال.
وبالطبع، فإن توتر العلاقات بين مصر وتركيا ليس بالأمر المرغوب، ولا هو بالجيد لمنطقتنا المتوترة أساسا في كل اتجاه، لكن لا شك أن القرار المصري غير مستغرب، خصوصا أن المواقف التركية المعادية لمصر ما بعد 30 يونيو (حزيران)، والداعمة للإخوان المسلمين، قد تجاوزت كل الحدود، وعلى وجه التحديد تصريحات ومواقف رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان الذي لم يوقر أحدا في مصر، حتى شيخ الأزهر! والقصة ليست قصة تصريحات هنا أو هناك، بل هي أخطر من ذلك بكثير، ولذا فقد كان لافتا ومهما ما ورد في بيان القرار المصري حول طرد السفير التركي، حيث أشار البيان إلى أن القيادة التركية «أمعنت في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة بمحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية»!
وهذا الاتهام هو أخطر ما فعلته الحكومة التركية «الأردوغانية» ضد مصر ما بعد 30 يونيو، وقد سمعت منذ أشهر من مسؤولين عرب على اطلاع بالملف المصري أن حجم التحركات التركية المؤلبة ضد مصر في المجتمع الدولي كبيرة ومؤثرة على الجهود المبذولة لتجنيب مصر العقوبات الدولية الفردية، أو الجماعية. ومن المعروف طبعا أن لدى إخوان تركيا تحركات واسعة في واشنطن، مما سهل فتح الأبواب هناك لإخوان مصر، وليس بعد الإطاحة بمرسي بل قبل رحيل نظام مبارك بفترة طويلة، خصوصا أن الرئيس أوباما كان يرى في النموذج التركي، أو قل «الأردوغاني»، النموذج المثالي للمنطقة، أي قبول الإسلاميين العرب بالديمقراطية، والعمل السياسي السلمي، على غرار ما فعله إخوان تركيا. وفي ذلك بالطبع تبسيط، وتجاهل لمعطيات مختلفة ضمنت عدم انحراف إخوان تركيا كما فعل إخوان مصر، وأهم تلك الضمانات التركية بالطبع هو الجيش التركي الذي يخشاه أردوغان صاحب الموقف الحاد جدا ضد الجيش المصري، وذلك خشية أن يكون القبول الدولي بما فعله الجيش المصري بمرسي محفزا للجيش التركي ضد أردوغان، خصوصا بعد مظاهرات «تقسيم» في تركيا.
وبالطبع، فإن طرد السفير التركي من مصر ليس بالموقف السياسي فحسب، بل هو صفعة أيضا للإخوان المسلمين في مصر، وإعلان واضح عن قوة النظام المصري الجديد، خصوصا أن السفارة التركية، ومنذ رحيل مبارك، كان لها تأثير مهم وكبير يفوق حتى تأثير السفارة الأميركية. ومن ثم، فإن طرد السفير التركي من مصر هو رسالة مهمة للسيد أردوغان، مفادها أن عهد الإخوان قد انتهى في مصر، والمنطقة، وأن النظام المصري الجديد بات قويا. وعليه، فإن السؤال الآن هو: هل يعتبر البعض من مناصري الإخوان بعد طرد السفير التركي من القاهرة، أم أن الدور سيكون قريبا على سفير آخر؟
 نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط"

الأحد، 10 نوفمبر 2013

خمسة أشياء قد تندمون عليها!

خمسة أشياء قد تندمون عليها!

الصديق العزيز "عبدالعزيز الحيص" - الباحث في علم الاجتماع السياسي - لفت انتباهنا إلى كتاب ألفته ممرضة أسترالية اسمها (بروني وير) اسمه "أهم خمسة أشياء يندم عليها من يموتون"..
الممرضة كانت تعمل في أحد المستشفيات، في قسم خاص بالحالات المرضية الميئوس من شفائها.. تلك التي بات رحيلها وشيكاً إلا برحمةٍ من الله جل جلاله.
كانت "بروني وير" تتحدث مع هؤلاء المرضى وتسألهم وتحاورهم أوقاتاً طويلة.. فخرجت بمادة الكتاب، التي تعتمد على خمسة أمور ندم عليها أولئك المرضى، خلال حياتهم الماضية المليئة بالصحة والعافية!
الأمر الأول: "ليتني عشت حياتي كما هي وكما أريد، لا كما أراده الناس لي".
-وكثير من الناس اليوم ينساقون خلف بعضهم بعضا، للدرجة التي يتحولون فيها إلى نسخ مزيفة بعيدة عن واقعهم الحقيقي!
الأمر الثاني: "ليتني لم أعمل بكل هذا الجهد.. الآباء حرموا أنفسهم بسبب الاجتهاد في العمل من أن يكونوا مع أبنائهم وأحفادهم، ومن رؤية جمال الحياة".
- وكم بيننا اليوم من موظفين - وهذا من عين الواقع - يبخلون على أنفسهم بإجازة خمسة أيام يقضون فيها وقتاً جميلاً بصحبة من يحبون بعيداً عن ضغوطات العمل.. أذكر أنني طالبت قبل فترة أن يصدر نظام يلزم كل موظف في الدولة أن يتمتع بإجازته رغما عنه.. حتى لو قضاها على الرصيف!
الأمر الثالث الذي توصلت إليه "بروني وير": "ليتني امتلكت الشجاعة للتعبير عن مشاعري دوماً".
- سألتكم الشهر الماضي إن كنتم تذكرون: "لماذا تحتفظون بكل هذا الكم من الوفاء والمحبة في الأدراج المغلقة.. ماذا لو قرأ الإنسان كل المشاعر الجميلة في عيون محبيه وهو حي بينهم"؟!
الأمر الرابع: "ليتني حافظت على علاقتي بأصدقائي.. فلا شيء يعادل صديقا قديما".
- وليت هذه العبارة بالذات تمر على الذين تبوؤوا المناصب فنسوا أصدقاءهم، وكأنهم لم يكونوا يوماً ما!
الأمر الخامس والأخير: "ليتني جعلت نفسي أكثر سعادة.. يا للمفاجأة، هناك أناس بالفعل، نسوا أن يصنعوا من أنفسهم سعداء"..
- إي والله يا "بروني".. يا للمفاجأة!
 
صالح الشيحي  
نقلا عن جريدة الوطن

سيندم السعوديون، ويأتون إلينا

سيندم السعوديون، ويأتون إلينا


نجيب عبد الرحمن الزامل
بعيداً عن رأي الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين في الحملات التي تمت من وزارتي الداخلية والعمل على المقيمين غير القانونيين في السعودية.. هناك أمر يجب أن نستعرضه، شيء اسمه حقنا العادل أمام الدول. والعدلُ ليس أن تقول: اعدلوا معي، بل العدل أن يقف من الناس بين من يعترضون ويظلمون من قومه، ويقول إن عملك عادل.
امتلأت صحف الهند وبنغلادش والفلبين برسائل من الجمهور العريض، أو بقصص من زوجات أو أبناء لعاملين يعملون بالسعودية يتهمون أنه تم التعامل معهم بقسوة ولا إنسانية، حتى أن بعض رسمييهم ألقى من الكلام والتهم ما يساير الغضبة الجارفة العامة. مسئولٌ هندي قال: ''سنرى إن لم يأتِ السعوديون ويطالبون بعمالتنا من جديد، فهم لا يعون إلا بلسعة الواقع، ولا يملكون شعباً عاملا''. وأقوال وبرامج تلفزيونية جعلت من الموضوع شأنا قوميا، نائبة برلمانية في بلد كانت حمقاء قالت: ''هذه إهانة وطنية، السعوديون يرمون بالقفاز في وجه بلادي، وهذا لا يُسكت عليه''.. على فكرة ـ لم أقل أنا صفة حمقاء، ليس من عادتي التعبير بالصفات السالبة، ولكن صحفيا مشهورا ببلادها ناداها يا حمقاء، بمعرض قوله: ''إنّ قوماً - أي السعوديين - يرتبون بيتهم الداخلي لا يمكن أن يكونوا يقصدون عداءً وطنيا كما تقولين، هذه سذاجة''.
في صحيفة هندية، وسبق أن خصصتُ مقالا لذلك، أرسلـَتْ امرأةٌ هندية مقيمة بجدة مقالا ضافيا عن وضع الهنود بالسعودية، وقالت: ''ألا يحق للسعوديين بتطهير بيتهم مستخدمة الفعل الإنجليزي ''Cleans''؟''. وتمضي قائلة: ''إن كان لي عتبٌ على السعوديين فهو أنهم تأخروا بذلك جدا، وجعلوا بلادهم مفتوحةً للضائعين والفالتين من جنسيات الشعوب بسبب الضبط الضعيف، وبسبب الإسراف بمنح التأشيرات لمن لا يستحقها، حتى أصبحت تجارة بحد ذاتها، والتضييق على الصانع أو التاجر الحقيقي الذي سيكون مسؤولا أمام الحكومة فعلا عن العاملين الأجانب، بينما تُرخى اليدُ لآلاف التأشيرات لمن لا يحتاجها، فحدث أمران: توجهت هذه العمالة باتفاقيات معروفة للعمل مع من يحتاجونها موقعة من قبل أصحابها الذين مُنحت لهم ولا يحتاجونها. وبرزت سوقٌ رديفة ومهيلة لعُمال فالتين ينتظرون حظوظهم في الميادين ومفارق الطرق. هذا الأمر توعَى له السعوديون بعد أن أثخنتهم جراح هذه الحالة ليس بالتركيب الأثني فحسب، بل بضعضعة المجتمع، والبحث عن الكسب بأي طريقة حتى ولو بالأعمال الإجرامية، والأعمال الممنوعة قانونا وشرعا فيها. فهل تنتظرون أن يسكت السعوديون؟! لقد قاموا بالضبط ما يجب أن تقوم به أي دولة عاقلة وحريصة''.
ويكتب السيد ''فريد لوبو''، وهذا الكاتب هو النسخة الفلبينية من الكاتب المصري في زمانه الدكتور ''يوسف إدريس''، فهو كاتب واسع المعرفة، ولكنه غضوب متدللٌ حرِن، متقلب، انتقاده سام، ومدحه وله وعشق.. وله قراء بالملايين بالفلبين، واجتمعت معه بسفارتنا بالفلبين لما كانت تدور فكرة أن الفلبين أهم دولة تربطنا بها علاقات خارج المنظومة العربية والإسلامية، لأن أكبر تعاملنا معها هو أهم عنصر: البشر. وطرأ علينا أن نقنع كتاب الفلبين بالواقع الفعلي السعودي بزياراتٍ منتظمة داخل أو خارج السفارة تُبنى على علاقات صداقاتٍ شخصية أكثر منها رسمية، ونجحت الخطة خصوصا في إطفاء فتيل حملة قامت ضدنا تتهم السعوديين بأنهم وراء بيع الفلينيين لأعضائهم، فتدخل الكتاب وشرحوا الحقائق بعد ثورة رأي عام أطاحت تماما بتعاوننا مع مستشفيات كبرى هناك.
ودار نقاش بالهاتف مع كاتب فلبيني حول الموضوع، وسأل عما قرأه عن 1500 فلبيني قبضت عليهم السلطات السعودية لنقص في أوراقهم وما الذي سيحصل لهم؟ أخبرته أن أفضل عمالة لدينا في المملكة هي العمالة الفلبينية وأقلها قضايا خارج العمل، وأننا نحترمهم، حتى أن الفردَ السعودي يشرط شرطا على مقاول منزله أن يكون الفنيّون فليبينيين، وعندي معلومات بصفتي مقربا من الجالية الفلبينية بالسعودية عن فلبينيين مقيمين مع أسرهم بالسعودية لأكثر من ثلاثة عقود. وأن الأمرَ هو تصحيحي، بدون ما يتصوره عن أي عقاب. وكتب السيد ''لوبو'' في الأمس عن ذلك وطلب فقط تدخل الحكومة الفليبينية ومشيرا إلى أن العمالَ غير نظاميين.
في قضايانا الصحيحة بما يتعلق بالتعامل مع دول، لا نترك الأمور تسير ضدنا ونحن محقّون.. فالتواصلُ الرسمي أولا مع السفراء الذين نطلب منهم توضيح المسائل الملتبسة على شعوب بلادهم، وتواصل الكتاب وأصحاب الصلات من التجار والمهتمين كل بمقدرته في توضيح الأمور العادلة، ليساعدوا بإثبات حقنا العادل.
العلاقاتُ الدولية فنٌ إنساني.. أيضا.
نقلاً عن جريدة الاقتصادية

صراع المدن!

صراع المدن!

ينشغل العالم وهو محق بالصراع الاقتصادي في شكله المعروف والتقليدي والمتعلق بالتنافس التجاري والصناعي بين الدول الكبرى والناشئة. ولكن هناك نوع آخر من التنافس المحموم بين المدن العالمية الرئيسية لنيل المكانة الأساسية كقلب الاقتصاد ومركز صناعة القرار المؤثر على العالم، سواء بثقافته وأذواقه وخياراته. والتنافس على أشده اليوم بين مدينتي لندن ونيويورك، وإن كانت الكفة تميل وبقوة لصالح العاصمة الإنجليزية التي تمكنت من أن تكون نبض العالم بامتياز.
سنوات طويلة جدا كانت فيها لندن مثارا للسخرية والنكات بسبب رداءة الخدمات فيها وسوء البنية التحتية التي وفرتها. وكل هذا جاء لصالح مدن - مثل نيويورك وسنغافورة وهونغ كونغ - استفادت من ذلك وانعكس هذا الأمر على الاستثمارات التي حلت عليها والتطور العقاري والعمراني الهائل، وكذلك تحسن مهول في الخدمات والبنى التحتية.
ولكن لندن أخذت على عاتقها أن تتحدى مصاعبها وخصصت الملايين من الجنيهات الإسترلينية لتلافي العيوب، وعبر السنوات تمكنت من استقطاب أهم العقول والكفاءات المهاجرة إليه (وهي سمة مشتركة في كل المدن الناجحة، قدرتها في جذب الكفاءات والعمل على توطينها)، وأصبح هناك مصطلح جديد هو الاقتصاد «اللندني»، نظرا لأن اقتصاد المدينة كان أداؤه مغايرا وتصاعديا أكثر من أداء الاقتصاد البريطاني بمجمله، بل إن الأمور الاقتصادية تطورت في لندن بشكل مذهل حتى باتت جيوب داخل المدينة نفسها لها اقتصادها الخاص ومؤشراتها مثل المربع الذهبي في منطقة نايتسبريج الشهيرة والمعروفة بمبانيها الفارهة ومتاجرها المعروفة.
واليوم يعد عمدة نيويورك (المغادر لمنصبه بعد انقضاء المدة المسموحة له) الملياردير الأميركي مايكل بلومبرغ أن تكون لنيويورك مكانة جديدة وأكثر جدية وقدرة على منافسة لندن وهو محق. ففي حقبته تم تطوير المدينة بشكل مبهر ومهم وتحسن الكثير من المرافق المهترئة والمتدهورة.
أوروبيا فقدت باريس الكثير من بريقها بسبب السياسة الضريبية غير المنطقية والتي تسببت في هجرة الكثير من رؤوس الأموال المؤثرة والفعالة جدا من المدينة على عجالة، وبرلين حتى الآن لم تتمكن من إحداث النقلة المأمولة منها كما يليق بعاصمة الاقتصاد الأوروبي الأكبر وثالث أكبر الاقتصاديات العالمية ولم يكتب لها التوفيق الكامل في استقطاب المشاريع الكبرى المطلوبة لها.
هونغ كونغ من جهة أخرى تفوقت واستقوت تماما على طوكيو وسيول وبانكوك وكوالالمبور تماما، وتبقى سنغافورة وحيدة تحاول اللحاق بجدية وجدارة خلف المدينة الصينية العتيدة التي باتت قلب الشرق الأقصى كمعيار للتفوق الجديد.
وهناك نجم يسطع أفقه من بعيد ويراهن عليه الكثيرون وهو دبي، دبي بفنادقها وأسواقها ومطاراتها وشبكة مواصلاتها الحديثة ومطاعمها وحكومتها الذكية وشفافية أعمالها ونظامها المصرفي ومينائها وجميعها يسعى لتطويرها باستمرار. تكون دبي قد دفعت «رسوم الاشتراك» في نادي المدن الكبرى في العالم وقد يكون من المرشح أن ينضم إليه إسطنبول وسيدني وفانكوفر لأسباب مختلفة، كل على حدة.
السباق المحموم في اقتصاديات المدن سيعود بفائدة وقيمة مضافة للعالم بأسره لأنه سيأتي بخدمات أفضل وقيمة أحسن وترفع سقف المتوقع والمقبول كمعيار للتقييم بين مدن العالم الأخرى التي كانت ترضى بالقليل والهزيل.
نعيش عالما جديدا له شروط جديدة، هناك من يلعب ويسجل وهناك من يشاهد ويشجع وهذا هو الفارق الكبير.
نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"

ونفد الدجاج من سوريا

ونفد الدجاج من سوريا

أغلقت معظم الشركات أبوابها منذ أن بلغت نيران الثورة السورية ضواحي دمشق، وعمت الفوضى المدن الكبرى مثل حلب. وإقفال آخر مطعم لسلسلة «كي إف سي» الأميركية، التي تبيع وجبات الدجاج السريعة هناك، جاء دلالة أخرى على انهيار الوضع، حيث لا مال، ولا تمويل، ولا مستهلكين. لم يعد مطار دمشق يعمل إلا بربع طاقته، ولم تعد ترى على الطرق شاحنات النقل التي تحمل البضائع، لمطاعم مثل «كي إف سي». تقريبا، كل معابر الحدود البرية الرئيسة باتت محتلة من قبل الثوار، باستثناء بوابة لبنان معبر المصنع. والأتراك بدأوا ببناء جدار عازل مع سوريا خشية من منسوبي النظام وإرهابيي «داعش» و«النصرة».
ولم يكل النظام، حيث يقاتل بضراوة لاسترداد بعض المعابر الاستراتيجية، مثل بواباته مع العراق من أجل تأمين دخول السلاح والوقود، حيث لا يزال النظام العراقي الممول الأكبر له. والمعارك مستمرة بعيدا عن الحدود، من أجل استعادة الأحياء والضواحي المجاورة لطريق مطار دمشق، التي تسببت خسارتها خلال الأشهر الماضية في محاصرة الطريق الاستراتيجي وقطعه. وفي معظم أحياء العاصمة نفسها، لم يعد سهلا على الأهالي التنقل من حي إلى حي، ولا توجد هناك حياة حتى في مناطق يسيطر عليها النظام، حتى أغلقت المطاعم والشركات آخر فروعها.
هذا هو حال سوريا اليوم، والذين يريدون مفاوضة حكومة بشار الأسد عليهم أن يعرفوا حقيقة الوضع على الأرض، وكيف أصبحت دولة النظام مجرد عنوان بريدي افتراضي. طبعا، هذا لا يعني أن هناك نظاما بديلا يقوم مقامه، بل البلاد في حالة شبه فراغ إداري وسياسي. وبالتالي، كيف يعتقد البعض أنه يمكن لمؤتمر جنيف فرض قرارات على بلد بلا آليات إدارية وتنفيذية. ولولا أن المعارضة مقسمة إلى عشرات الكتائب غير المترابطة، لكانت اليوم تحتل وتدير جزءا كبيرا من التراب الذي استطاعت الاستيلاء عليه، لكنها مجرد ميليشيات مقاتلة تستولي على حواجز ومواقع، وأحيانا تستولي على مدن بأكملها، لكنها لا تملك القدرة على الدفاع عنها، ولا الإمكانيات لإدارتها. وبعض المناطق انسحبت منها قوات النظام السوري لتتركها لجماعات «القاعدة»، عقوبة من النظام لسكان هذه المناطق، وحتى تكون عبرة لبقية المناطق المتمردة بأنها ستسقط في يد الجماعات المتوحشة، تقول للسوريين: إما قوات الأسد أو جماعات «القاعدة» المتطرفة.
وهذا ما يجعلنا نتحدث عن حقائق أساسية؛ وهي أن قدرة النظام على البقاء والتعافي والعودة لإدارة البلاد لم تعد ممكنة، سواء وجد البديل أو استمر الفراغ. الذي يستطيع نظام الأسد الاستمرار فيه لفترة ما، هو الحرب لأنه ينفق كل مدخراته ورجاله عليها، ولأنه يحصل على المدد من كل الأطراف الداعمة له، التي تريد مساندته عسى أن يحصل على حل سياسي ينقذه لاحقا. أما كيف يمكن لحل سياسي أن يعيد النظام، فسؤال صعب الإجابة، لأنه لم يعد يملك شيئا يدير به الدولة، بقيت مدن مدمرة ونفوس مليئة برغبات الثأر.

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"

الاثنين، 21 أكتوبر 2013

الثنائية القطبية تعود من جديد!


الثنائية القطبية تعود من جديد!

د.زهير الحارثي
 تعقيدات الملف السوري أعادت روسيا الى المسرح الدولي وبامتياز. بطبيعة الحال لم يكن حضور الدب الروسي طاغيا بقدر ما يعكس تراجعا للأحادية القطبية الأميركية التي ظلت على انفرادها منذ نحو ربع قرن أي منذ سقوط جدار برلين وحتى خروج القوات الأميركية من العراق. بدا واضحا ان قيصر الكرملين بوتين كان قد حسم موقفه إزاء الملف السوري ليس من اجل نظام الأسد الذي يربطه بنظامه علاقة استراتيجية بل لإعادة توهج روسيا الذي خفت وذلك بلعب أدوار مؤثرة وخلق مساحات نفوذ لبلاده. أصبحنا نشعر ان التعنت والعناد والحدية بمثابة مصطلحات لغة وملامح سلوك تبلورت في قاموس الدبلوماسية الروسية.
طبعا هذه قراءة سياسية بعيدة عن اتخاذ موقف ولكن مع ذلك لا يمكن لنا ان نتجاهل موقف الروس العنيد من الضربة العسكرية تجاه نظام دمشق، وعرقلتهم لقرارات مجلس الامن بشأن سورية باستخدام فيتو ثلاث مرات ناهيك عن تأكيدهم لاحقا بصدور قرار من مجلس الامن دون ان يكون تحت الفصل السابع وانتقادهم بصلافة للتصريحات الأميركية فضلا عن تلك التي تدعم المعارضة السورية، كلها دلالات على تواطؤ روسيا مع نظام الأسد في ارتكاب الجرائم ضد الشعب السوري الأعزل ومؤشر عودة للظهور والمنافسة والهيمنة بدليل اصرارها على اخذ زمام المبادرة والايحاء للآخرين بالقدرة على عرقلة الأمور متى ما ارادت ذلك وهنا تكمن قيمة القطبية الجديدة حيث الندية والتأثير الدبلوماسي وقلب الأمور رأسا على عقب في اللحظة التي تريد.
كنا نسمع منذ التسعينيات عن تساؤلات مطروحة حول النظام الدولي واتجاهاته، وهل ان الزعامة ما زالت بيد الولايات المتحدة ام ان هناك شركاء جدد بمعنى هل هي وحيدة أم أنها ثنائية أم متعددة؟ كثيرون يرون بأن بوصلة النظام الدولي تتجه لعالم متعدد الأقطاب، ويذهبون في تفسير ذلك أن ثمة مؤشرات وظواهر سياسية واقتصادية تؤكد صعود قوى أخرى كمجموعة البريكس كالصين والاتحاد الأوروبي والبرازيل، كدول منافسة مدعومة بعوامل ذات أبعاد متعددة، ناهيك عن عودة روسيا القوية. وأشاروا إلى أن التراجع الأميركي، جاء بعد تعرضه لازمات عدة من أعباء مالية وأزمة ديون وانخفاض التصنيف الائتماني نتيجة للحروب وسياسات الإدارة السابقة.
وكنت قد قلت بأن الولايات المتحدة ما تبوأت تلك المكانة لو لم تكن تجمع في سلتها كل مقومات القوة من عسكرية واقتصادية وسياسية وتكنولوجية، وهو ما جعلها تتوشح بلقب الدولة العظمى. صحيح إن هنالك دولاً لديها مقومات قوة كاليابان والصين وروسيا الاتحادية، إلا أن الفارق يكمن في أن تلك العوامل إنما انحصرت في اتجاه واحد.
ومع ذلك هناك تصور من أن تفرد دولة بعينها لتتحكم في مصير العالم بات أمراً مستهجناً وغير مستساغ، فضلاً عن أن هذا السلوك يكرس التهميش لبقية الدول وهو ما يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي.
وبالعودة الى صلب الموضوع، نقول انه سبق انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة، منافسة شرسة بين القطبين الأميركي والسوفييتي على النفوذ والسيطرة ظلت لخمسين عاماً تلتها حرب باردة لتشهد في نهايتها انهيار الاتحاد السوفيتي. الحضور الأميركي يذكرنا بتجارب تاريخية مشابهة كما يصفها الكاتب محمد سيد "بوضع غير مسبوق منذ عام 31 قبل الميلاد حين أصبحت روما القطب الواحد للعالم بعد انتصار الرومان على المصريين في معركة أكتيوم، وهو وضع استمر أكثر من ثلاثة قرون حتى انقسام الإمبراطورية الرومانية بين شرقية وغربية، وبروز الإمبراطورية البيزنطية ثم الدولة الساسانية الفارسية كمنافستين لروما على زعامة العالم قبل أن تنهار روما على أيدي البرابرة في عام 476 ميلادي، وتحصل ثنائية بين البيزنطيين والساسانيين ثم تأسيس الدولة الإسلامية في القرن السابع التي حجمت الدولة البيزنطية وقضت على الساسانيين."
ولذا يا ترى هل مازالت أميركا هي التي من يقود العالم أم أن هناك فعلاً من ينافسها على اللقب إذا ما ارتهنا لقاعدة أن بقاء الحال من المحال؟ الحقيقة انه منذ عام 2008 كانت واشنطن قد بدأت تفقد مساحات في العالم لمصلحة روسيا حيث استطاعت موسكو منذ الحرب الروسية – الجيورجية أن تقوم بتحجيم الامتدادات الأميركية إلى معظم الجمهوريات السوفياتية السابقة، اضف الى فشلها في أفغانستان والعراق خلق حالة من الضغط الشعبي الداخلي على البيت الأبيض إزاء أي تدخلات عسكرية خارجية ما يعني اضعافا لثقل الدبلوماسية الأميركية، لتصل الى مرحلة من الانزلاق في فترة أوباما المتردد منذ أزمات الربيع العربي وسلبيته المفرطة في عملية السلام ومأزقه المحرج في الملف السوري ولذلك يرى العديد من المراقبين ويتفق في أن الولايات المتحدة الأميركية قد وصلت فعلا إلى ذروة المناعة والسيطرة الا ان هذا لا يعني انها ليست في بداية ضمور وانحدار وسقوط ما لم تُعد النظر في سياستها الخارجية، والعقلية الجامدة التي تحكمها منذ احداث 11 سبتمبر.
صفوة القول، رغم اختلافنا مع سياسة روسيا الظالمة إزاء الازمة السورية، الا ان كسر احتكارية القطبية ودخول قوى جديدة أمر يصب في صالح النظام الدولي الجديد كونه يتيح حرية الاختيار والقرار والحركة لبقية دول العالم، فلا تخضع أي منها لهيمنة قوة دولية واحدة، وهو ما يعني التخلص من القيادة المركزية للعالم نسبياً على أقل تقدير.
نقلا عن جريدة الرياض

الجمعة، 27 سبتمبر 2013

هل هذا أوباما جديد؟


هل هذا أوباما جديد؟
عبدالرحمن الراشد
لم يقل إن ما حدث في مصر انقلاب، ولم يتخلَ عن إسقاط الأسد في سوريا، ولم يسكت عن تمدد روسيا في منطقة الشرق الأوسط، ولم يقل إنه سيحترم قرارات مجلس الأمن. خطاب باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قدم صورة مختلفة عن الرئيس الذي كان يفاخر بالانسحابات والتفرغ للشأن الداخلي الأميركي.
في شأن الحكم بمصر سمعنا موقفا جديدا للرئيس أوباما، قال إن محمد مرسي فاز فعلا بشكل ديمقراطي عبر صناديق الانتخاب، لكنه لم يحكم وفق القواعد الديمقراطية. وبالتالي يكون بلغته هذه قد نزع عنه حصانة الشرعية التي طالما تذرعت بها الحكومة الأميركية منذ عزل مرسي لرفض الحكومة الانتقالية الحالية.
ولا أدري إن كان الخطاب هو مانفستو جديدا للسياسة الأميركية. إن ما سمعناه مختلف عما عهدنا في سنوات حكم أوباما الذي حرص على أن يبدو رئيسا مختلفا عن أسلافه، لأن خطاب الجمعية العامة يعتبر مناسبة سنوية مهمة لكل حكومات العالم للتعبير عن سياستها ومواقفها، فإن أوباما فيه يوحي بأن سياسة الولايات المتحدة لن تتخلى عن مصالحها أمام روسيا وغيرها، ردا على قراءة كثير من السياسيين والمفكرين التي تقول إن أوباما قرر الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، بعد تقلص اعتماد بلاده على نفط المنطقة، وقراره بالخروج من صراعاتها. لأول مرة نسمعه يتحدث عن أنه لن يتخلى عن حماية مصالح بلاده في المنطقة، وأن انخفاض واردات الولايات المتحدة من نفط الشرق الأوسط لا يجعل ذلك يقلل من تأثير المنطقة على أسعاره عالميا وعلى السوق الأميركية، وكرر التزامه بملاحقة الإرهاب.
ولم يكتفِ بالتزامه حماية مصالح بلاده الحيوية، بل في إعلان غير متوقع منه، يذكّرنا بسلفه الرئيس جورج دبليو بوش، رفض أوباما الاعتراف بحدود مجلس الأمن في التدخل في النزاعات الدولية. قال إن ما فعله نظام الأسد بشعبه لا يمكن السكوت عنه، بغض النظر عن موقف مجلس الأمن. هذه سياسة جديدة يبدو أنها نتيجة إحباط أوباما من الموقف الروسي الذي أساء استخدام مجلس الأمن لحماية واحد من أكبر مجرمي الحرب في التاريخ المعاصر، وقد اكتشف أوباما أخيرا أن الإيمان بالقانون الدولي يتطلب فرض احترام هذا القانون. لقد عبث الروس بمجلس الأمن عندما اكتشفوا أن أوباما اختار عدم التدخل مهما كانت الأسباب.
الجانب المقلق في خطابه وسياسته هو موقفه من إيران. يبدو أن أوباما مأخوذ بالرسائل الإيرانية من الرئيس الجديد روحاني الذي تقمص شخصية المحب للسلام، المستعد لمنح أوباما صفقة العمر سياسيا!
الإيرانيون منذ عقد ونصف العقد لعبتهم كانت دائما الوقت. الإيرانيون يحتاجون إلى الوصول لمرحلة القدرة على إنتاج سلاح نووي فقط، وبعد ذلك تنتهي اللعبة. السؤال كم بقي من الوقت حتى يصلوا إلى «قدرة الإنتاج» هذه؟ عام، عامان، ثلاثة؟ روحاني يقول إنه يريد عاما من التفاوض للوصول إلى حل نووي، لماذا يريد كل هذا الوقت في شأن قُتل بحثا؟ لو كان الإيرانيون جادين لقدموا عرضا يمكن الاتفاق عليه خلال أسابيع، لكنها لعبة الساعة. هم يريدون أن يبلغوا اللحظة التي يعلنون فيها أنهم دولة نووية عسكريا، ولن يكون بعدها ممكنا قصف منشآتهم، أو شن أي شكل من الحروب على نظامهم مهما ارتكبوا من حروب أو هددوا جيرانهم أو العالم.
إيران ليست الهند ولا باكستان، ولا حتى إسرائيل، نقول إنها تعرف حدود اللعب السياسي. يحكمها نظام متطرف عقائديا يعبر بشكل واضح منذ ثلاثين عاما عن طموحاته بالتوسع والهيمنة ومعاداة جيرانه والعالم. بوجه الرئيس روحاني الباسم وكلماته المعسولة، يرتكب أوباما خطأ غير قابل للإصلاح إن ترك الإيرانيين يعبثون به، سواء بشراء الوقت أو بتقديم وعد شرف رخيص يزعمون فيه أنهم لن يستخدموا سلاحهم النووي.

نقلا عن جريدة الشرق الاوسط

«الشقيقة» إيران والرئيس اللطيف روحاني


«الشقيقة» إيران والرئيس اللطيف روحاني
جمال خاشقجي *
السبت ٢٨ سبتمبر ٢٠١٣
ينتابنا الهلع كلما لاحت في أفق السياسة مصالحة أميركية - إيرانية، مثلما هو حاصل هذه الأيام في نيويورك، حيث يتقاطع الرئيسان الإيراني حسن روحاني ونظيره الأميركي باراك أوباما في أروقة مبنى الأمم المتحدة ولكن لا يلتقيان، بعضنا يذهب إلى حد «المؤامرة»، فهو مقتنع أن ثمة حلفاً خفياً وتعاوناً بين الطرفين ولن يلبث إن يصعد إلى السطح، ويعلن رسمياً الحلف الأميركي - الإيراني الجديد على حسابنا نحن في السعودية والخليج، لنسقط من «الحجر» الأميركي بعدما يتربع عليه الإيراني، فندفع الثمن غالياً من مصالحنا وحقوقنا.
أعتقد أننا جميعاً بحاجة إلى جلسات علاج نفسي، ودورات في علم «السياسة الحقيقية» حتى نستعيد ثقتنا بأنفسنا، وأننا أقوى مما نعتقد، وأستعير عبارة رئيس الاستخبارات السعودية السفير السابق الأمير تركي الفيصل أن «إيران نمر من ورق»، فقط نحتاج إلى بعض من التركيز والتخطيط لنحدد من هم حلفاؤنا الاستراتيجيون، وما هي مصالحنا الثابتة، وأن الشرق الأوسط الذي استوعب يوماً «القوى العظمى» مملكة فارس والروم، ثم وجد عرب الصحراء مكاناً لهم في التاريخ بينهما، بل أكثر، يستطيع أن يستوعب كل دول المنطقة بما فيها إيران وتركيا، وأن ندرك أن المصالحة مع إيران هي مصلحة للجميع، وأننا يجب أن نسعى إليها أكثر مما يسعى إليها الأميركيون، ولكننا نحتاج إلى تشكيل جبهة من حلفاء لا تغيرهم مصالح ضيقة، وإنما يشاركوننا رؤية أننا «أمة»، هذا المصطلح العظيم الذي يسعى البعض إلى تدميره لرؤيته الضيقة على حساب مصلحة أكبر.
يجب أن نلقي بقواعد «الاشتباك القديمة» التي سادت المنطقة حتى نهاية السبعينات الميلادية بعيداً عن طاولة التحليل السياسي المعاصر، مثل مصطلح «شرطي المنطقة»، فلم تعد ثمة حاجة إلى هذه الوظيفة التي كان ينافس عليها شاه إيران محمد رضا بهلوي أو إسرائيل، وذلك بعدما تغير وضع المنطقة السياسي والأمني على طريقة «إذا حضر الماء بطل التيمم»، والماء هنا الولايات المتحدة وأساطيلها وقواعدها المنتشرة على الساحل العربي من الخليج، وهو ما تطالب إيران دوماً بإزالته لشعورها بأن هذا الوجود يهددها، والذي يشكر أو يعاتب على الحضور الأميركي هو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي قلب قواعد الأخلاقيات القومية العربية بغزوه للكويت، فعرض العقل العربي الخليجي لصدمة لم يتعافَ منها بعد، فرحب بالوجود العسكري الأميركي في المنطقة بعدما كان يرفضه هو وبقية العرب.
القاعدة الأخرى التي يجب أن نلغيها، هي أن الصراع الإيراني - العربي حتمي، بعضنا يذهب بعيداً فيطوئفه (يضفي عليه سمة طائفية) متحدثاً عن صراع سني - شيعي، فيغرف من التاريخ حقائق المواجهات الصفوية - العثمانية، ومكائد الشيعة في قصور العباسيين، وصراعهم مع صلاح الدين، بينما مكان كل هذا كتب التاريخ وأبحاثه وليس عالمنا السياسي المعاصر، والحق أن إيران تتحمل مسؤولية ذلك أكثر من غيرها، فهي التي ميزت نفسها منذ انتصار ثورتها بدستور «طائفي»، وهي التي تمددت للعطف على «المستضعفين» الشيعة في عالمنا العربي، وكانت مستعدة من دون أي تردد ولا تزال لمحاربة «المستضعفين» السنة إذا ما ثاروا على نظام قمعي علماني بعثي مثل دولة «الأسد» في سورية منذ ثورة الإخوان عليها في الثمانينات حتى الآن، في موقف «طائفي» ثابت لا يتزحزح.
تصادف مع صعود الأصولية الشيعية صعود سلفية أصولية مماثلة، وهي تيار إسلامي غارق هو الآخر في التاريخ وصراعات السنة والشيعة، فتداخلت هاتان الحالتان الفكرية أو الذهنية مع السياسة الحقيقية فتعقدت العلاقات أكثر، ولكن كانت هناك دوماً مساحة للعقلاء مثل العاهل السعودي الملك عبدالله الذي طبع العلاقة مع إيران أثناء رئاسة عاقل آخر هو رفسنجاني، ثم انتكست العلاقة بصعود الرئيس الأصولي أحمدي نجاد الغارق هو الآخر في ثارات التاريخ وأوهام الأساطير، وعلى رغم ذلك حاول الملك السعودي تقريبه للعقل والمنطق ولكن من دون جدوى.
إذاً فإن السعي لتطبيع العلاقات مع إيران هو «سياسة حقيقية» مطلوبة لمصلحة المملكة، وتحصل كل يوم، جربتها السعودية مرات عدة، وتمارسها الإمارات حتى الآن بعلاقات اقتصادية هائلة على رغم موقفها الثابت المطالب باستعادة جزرها الثلاث المحتلة من إيران، وفعلته عُمان بزيارة رسمية من السلطان قابوس مستفتحاً بها عهد الرئيس الإيراني «الإصلاحي» روحاني، وقيل إن ثمة رسائل نقلت عبره من الولايات المتحدة.
القاعدة الثالثة وهي الأهم، أن أميركا والغرب تغيروا، لم تعد هناك أميركا العدوانية المستعدة أن تكلف وكالة استخباراتها للتآمر وإسقاط رئيس وزراء منتخب مثلما فعلت في الخمسينات في ملحمة الدكتور مصدق الشهيرة، التي شكلت أرضية الكراهية بين إيران الخميني والشيطان الأكبر، أميركا والغرب تخلوا عن طبائعهم «الاستعمارية» وشعورهم أنهم بوليس العالم الذي يتدخل لتغييره من الفيليبين حتى بنما مروراً بالعراق وأفغانستان ولبنان والخليج أيضاً، من سوء حظ السوريين أن لحظة التطهر هذه أصابت العالم الإمبريالي القديم، بينما هم في أمسّ الحاجة إلى «تدخل إمبريالي سافر» يخلصهم من طاغية مستعد أن يقتلهم بسلاح كيماوي.
لذلك فإن عقد مصالحة «وليس صفقة فهذه كلمة إمبريالية» مع إيران بات ممكناً أكثر من أي لحظة سياسية سبقت، ولكن المشكلة هي إيران، فالإيرانيون هم الوحيدون الذين لا يريدون أن يتغيروا، إنهم يريدون أن يوظفوا كل المتغيرات السابقة لمصلحة سياستهم، فالتفاوض على مشروعهم النووي يعني أن نستمر بالتفاوض ويستمر المشروع، والسعي لحل سلمي في سورية يعني أن يتوقف السعوديون والأتراك عن دعم المعارضة، بينما يستمرون هم في إرسال أطنان الأسلحة وآلاف الرجال ومعهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الحاج قاسم سليماني لحماية مقام السيدة زينب! وبينما يقومون بهذه المهمة «المقدسة» يبقون بشار أيضاً في الحكم، وليذهب كل الشعب السوري «التكفيري» إلى الجحيم.
مع رئيس مثل باراك أوباما يمكن للإيرانيين، بابتسامتهم العريضة، والطبطبة على الأكتاف، ومقالات الرئيس «اللطيف» روحاني ووعوده الحسنة في الصحف الأميركية، يمكن لهم أن يدخلوا الأميركيين في جو «تفاهم» مجرد تفاهم لأجل سلام دائم في المنطقة وليس صفقة، خلال تلك الأثناء يستمرون في إكمال مشاريع أحمدي نجاد ومن قبله المرشد الأعلى في المنطقة، ولكن بلطف ودماثة الشيخ روحاني.

نقلا عن جريدة الحياة

واشنطن: 2017 عام الاستغناء عن البترول أم التحالفات؟



واشنطن: 2017 عام الاستغناء عن البترول أم التحالفات؟

د. مطلق سعود المطيري
    قبل عام تقريبا صرح الرئيس الامريكي ان عام 2017 سوف تستغني بلاده عن بترول الشرق الاوسط، بسبب اكتفاء بلاده ذاتيا من هذه السلعة الاستراتيجية، وعندها تزاحمت اسئلة كثيرة عن مصير تجارة البترول ومشتقاته، وتصدى للاجابة خبراء بترول واقتصاد من الشرق والغرب بعضهم يرى ان تصريح سيادة الرئيس لا يستند على حقائق اقتصادية ولا انتاجية، فهو في نظرهم تصريح فارغ من المعنى، والبعض الآخر رأى في التصريح حيلة مستورد اراد منها كبح الزيادة التصاعدية السريعة في اسعار البترول.. هذا قبل عام، أما اليوم قد يفسر ذاك التصريح على قاعدة خطوط الرئيس اوباما الحمراء يرسمها بوضوح ثم يعود ليلتهمها من جديد وكأنها لم ترسم، على الرغم من ان خطوطه الحمراء تسببت بمآسٍ انسانية فظيعة فالشعب السوري الثائر جعل منها حواجز مقدسة واحتمى بها من سلاح الاسد المحرم دوليا "الكيماوي" وبين عشية وضحاها شاهد خطوط اوباما الحمراء تجز رقاب ابنائه بدلا من حمايتها.
هل واشنطن سوف تستغني عن بترول الشرق الاوسط مثلما زعم رئيسها؟ إن كان الأمر صحيحا فالخير بالصدق الواضح، وإن كانت الإجابة مثلما رأى الخبراء فالكلام الفارغ قد يكون فارغا في معناه ولكنه صادق في مغزاه، والمغزى هو البحث في معنى حقيقة الاستغناء عن البترول، هل هو استغناء عن ممرات وطرق وعلاقات وصداقات وتحالفات كان البترول يمر عبرها، بالتأكيد الاستغناء لا يعني شيئا آخر غير ذلك! ولكن هل تستطيع واشنطن ان تستغني عن الشرق الاوسط وبالتحديد دول الخليج؟ الإجابة بكل وضوح لا، إلا اذا عملت واشنطن على صناعة منتج الاستغناء، فالخليج شريك استثماري استراتيجي للولايات المتحدة وفي اكثر من مجال وصناعة البترول مجال ضمن مجالات عديدة، فائدة الطرفين تحسب بتوافق بعيد المدى لكليهما، إذن كيف تصنع منتج الاستغناء؟ واشنطن هي التي تملك الخلطة السحرية للديمقراطية، وعرفت جيدا كيف تستخدمها فقد استخدمتها في العراق ونجحت وجعلت الشعب العراقي يذبح باسم الديمقراطية، ويطلب الحرية للأموات، إلا ان اصبحت العراق أرضا تتصارع عليها المذاهب والطوائف، وليست بلدا واحدا مثلما كان في زمن الديكتاتوريات..
صناعة الاستغناء تقوم على ضرب العلاقة بين الشعب وشرعيته السياسية، وان حصل الانقسام بحث كل طرف من اطراف اللعبة عن مصالحه، وعندها يكون الجميع بحاجة لذخيرة العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن، وبهذا تكسب واشنطن شرعية الاستثمارات وتترك شرعية الفوضى لأبناء المنطقة، من هنا أشعر بالريبة من عام 2017، هل هو بداية عهد جديد في العلاقات الإستراتيجية مع دول الخليج، أم هو عام التخلي عن العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج، وإن كان هناك شيء جديد الخليج موعود فيه من واشنطن، فما هو شكله، نحن نسأل عن عام 2017، وإن لم نجد اجابة اليوم، نتمنى أن لا يتم استعارة الإجابة من الأشكال الموجودة في المنطقة.
نقلا عن جريدة الرياض

إنتاجنا ومبدأ باريتو


إنتاجنا ومبدأ باريتو

استطاع العالم الإيطالي باريتو، باكتشافه الرائع، أن يغير من مجرى الحياة الاقتصادية في مطلع القرن المنصرم، ومكن الشركات الكبرى من مضاعفة أرباحها عندما اكتشف عام 1906 م أن 20 في المائة من الأفراد يستحوذون على 80 في المائة من الثروة، وهو اكتشاف ثبت فيما بعد أنه لا ينطبق على الثروة فقط، جاء من بعده خبير الجودة الأمريكي جوزيف جوران الذي كان يعمل في اليابان في مطلع عصر النهضة الصناعية لينفض الغبار، بالتعاون مع زميل أمريكي آخر اسمه ديمنغ، عن هذا الاكتشاف ويوسع من دائرة تطبيقاته، وهو ما تبلور في قانون 20 ــ 80 في المائة، أو ما اصطلح على تسميته بقانون باريتو.
لو استدعينا هذا القانون في بلادنا لاكتشفنا أننا أكثر خلق الله حاجة إلى تطبيقاته المعاصرة.
80 في المائة في مجال القوى العاملة تعتبر كثرة غير فاعلة، ولدى هذه الكثرة 80 في المائة من الأداء غير الفاعل، مقابل 20 في المائة على الضفة الأخرى من المعادلة.
طبقا لهذا المبدأ الذي يدرس في الجامعات، تقوم الدول والشركات بانتقاء الـ20 في المائة من أصحاب الأداء المتميز ليناط بهم تحفيز بقية الـ 80 في المائة.
لكن الكارثة هنا عندما يكون الـ20 في المائة ليسوا أحسن حالا من الـ 80 في المائة، نسبة إلى سوء الاختيار وغياب المعايير.
اليوم، أكثر تطبيقات هذا القانون تداولا في علم الإدارة هو ما تبلور في الاكتشاف المثير، وهو أن نسبة 20 في المائة من الجهود هي التي نبلغ بها نسبة الـ 80 في المائة من هذه النتائج.
بمعنى أن 80 في المائة من هذه الجهود تذهب سدى، ولا يدرك هذه الحقيقة سوى 20 في المائة فقط.
نقلا عن جريدة عكاظ

الخميس، 26 سبتمبر 2013

ماذا جنينا من قمة العشرين يا وزير المالية؟

ما إن رفعت آخر جلسات قمة العشرين التي عقدت مؤخرا في سانت بطرسبورغ في روسيا؛ حتى تناقلت وكالات الأنباء والمحللون وكتاب الرأي حول العالم نتائجها ومقرراتها، وتناولوها بالتحليل المعمق والشرح المفصل. ولقد كان التركيز في وسائل إعلام معظم الدول الأعضاء على إعداد كشوفات أرباح وخسائر بلادهم على المستوى الجزئي من حضور تلك القمة. نعم نعرف أن هناك قرارات اتخذت على المستوى الكلي للعالم؛ من أهمها تعزيز أدوات الشفافية ومزيد من السيطرة على التهرب الضريبي الذي تمارسه الشركات متعددة الجنسية بحق الدول النامية التي تستضيفها، ونعرف أيضا أن مجموعة دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب أفريقيا) قد تمكنت أخيرا من شق عصا الطاعة على مؤسسات النظام الاقتصادي القديم وتمكنت من إنهاء ترتيبات إنشاء صندوق خاص برأسمال يصل إلى (100 مليار دولار) بدعوى ضمان استقرار عملاتها وحمايتها من التقلبات الحادة لأسعار الصرف العالمية فيما يمكن اعتباره في الواقع بداية لتشكيل مؤسساتي لنظام اقتصادي بديل أو موازٍ للنظام الحالي الذي تهيمن عليه القوى الغربية، والذي اتضح ضعفه ورداءة حلوله وانغماسه منذ الأزمة الاقتصادية أواخر سنة 2008 وحتى الآن بإيجاد الحلول لأزمات الديون الغربية والأمريكية وابتكار حلول لها حتى وإن كانت على حساب الدول النامية. ولكن نعرف أيضا أن قرارات وحلولا ونتائج على المستوى الجزئي للدول منفردة قد تحققت، منها أن الهند تمكنت من إقناع اليابان بتعزيز خط التمويل المفتوح لحسابها بالزيادة من 15 إلى 50 مليار دولار. وروسيا أعلنت أنها ستخفض الإنفاق الحكومي بمقدار 5% في ميزانية 2014/2015 وأنها تدعم كافة العائلات الروسية التي تعيل طفلين وأكثر منذ 2007 وحتى 2015 بمبالغ مقطوعة وصلت إلى 408.960 روبل (15 ألف دولار) للعائلة الواحدة سنة 2013. ونعلم جيدا أن إثيوبيا تحضر المؤتمر بصفتها صاحبة أكبر مخزن مياه في العالم وسلة قادمة للغذاء الأوروبي وتحظى من أوروبا باستثمارات مذهلة في سدودها ومشروعاتها الزراعية حتى وإن كان الثمن مزيدا من الفقر والبؤس في دولتي المصب.
ولذلك حق لنا التساؤل عن أسباب حضورنا لهذه القمة؟ وما هي مكاسبنا من ورائها؟ هل نحضرها لأننا دولة لديها بترول وفوائض مالية فقط؟ وماذا كسبنا من هذا الحضور؟ لم نسمع أو نرى عن دورنا في المؤتمر الأخير غير صورة لمعالي وزير المالية إبراهيم العساف وهو (يسولف) مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على منصة عامة وليس في اجتماع عمل ثنائي. وفي مؤتمر سابق قرأنا وسمعنا عن دعم بلادنا لصندوق النقد الدولي لمواجهة الديون الأوروبية من غير الحصول في المقابل على قوة تصويتية مكافئة لحجم المشاركة. ولم نسمع من معالي الوزير أي تصريحات عن مكاسب ملموسة لبلادنا من المؤتمر الأخير ولا ما سبقه من مؤتمرات غير أن حضورنا يعتبر تكريما لبلادنا وأننا قوة مالية واقتصادية إقليمية كبيرة وغير هذا من الكلام.
وحتى الصحفيين غير المتخصصين الذين يحظون بحضور مثل هذه القمم لا يرتقون إلى مستوى الحدث بالشرح والتحليل، ربما لعدم التخصص وحتى الضعف في التأهيل باللغات الأجنبية، وكل ما تقرأه من كتاباتهم وصفي سطحي لا قيمة له، وكل ما تسمعه منهم لا يزيد عن الإعجاب بالطبيعة الخلابة وخلق الله الخلابين الذين يعيشون فوقها.
إن كان حضورنا للمؤتمر كممثلين عن الخليج والعالم العربي فلم لم نشكل حتى الآن تكتلا اقتصاديا عربيا قادرا على الحوار والمساومة وتحقيق المكاسب؟ وإن كنا نمثل أنفسنا بهذا الحضور فما هي المكاسب التي تحققت لبلادنا من هذا الحضور منذ أول مرة دعينا فيها لهذا المؤتمر وحتى هذه اللحظة؟ ثم ما المانع من انضمامنا لمجموعة الدول الناشئة (بريكس) التي تبلغ تعاملاتنا التجارية المدنية معها أضعاف تعاملاتنا مع غيرها، ثم أننا أكثر منها حاجة لتطوير أدوات ووسائل لضمان استقرار عملتنا وسلامة توظيف فوائضنا المالية التي تقبع في سندات خزانة دول غربية كبرى؟ آمل أن تجيب يا معالي الوزير، فمن حق المواطنين أن يعرفوا كافة الحقائق، والكلام المرسل لم يعد يلقى آذانا صاغية.
نقلا عن جريدة عكاظ

الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

أرقام مصلحة الزكاة والدخل وإشكالية فهم الأرقام


رؤية

أرقام مصلحة الزكاة والدخل وإشكالية فهم الأرقام

د. عبدالوهاب بن سعيد أبو داهش
    لماذا عندما نسمع بأرقام كبيرة نبحث عن حلول للفقراء؟ ونتحدث عن مستحقي الضمان؟ ثم ننتقل الى مشكلة السكن، فالبطالة، وهكذا؟ طرحت هذه الاسئلة بعد خروج أرقام ايرادات مصلحة الزكاة والدخل من الزكاة وإيرادات الضريبة على شركات النفط والغاز وغيرها والتي تجاوزت 776 مليار ريال لسنة 2012. وحسب الانطباع الشخصي لكل كاتب أو متابع فهم من أن هذه الارقام تضاف الى ارصدة المصلحة وتظل حبيسة لديهم بدون الاستفادة منها. والحقيقة أن كل المبالغ التي ترد كإيراد لمصلحة الزكاة والدخل – ماعدا الزكاة الشرعية- تذهب الى خزينة وزارة المالية في مؤسسة النقد العربي السعودي، وهذا الاجراء يتبع لكل المؤسسات والهيئات الحكومية التي تحصل على ايرادات من الرسوم او الضرائب مثل رسوم الجوازات والضرائب الجمركية والمخالفات المرورية ثم تحول الى وزارة المالية التي تعيد انفاقها عن طريق الموازنة العامة للدولة على بنود عدة هي الاجور والصيانة والتشغيل والمشاريع الاستثمارية في البنية التختية والخدمات والاعانات والمساعدات المالية وقروض الصناديق الحكومية مثل الصندوق العقاري والصناعي والزراعي والتسليف والادخار. كما ينفق جزء من الموازنة على برامج الفقر واعانات البطالة والاسكان والذي خصص للاخير 250 مليار ريال في 2011.
في سنة 2012، وهي السنة التي بلغت ايردات مصلحة الزكاة والدخل 776 مليار ريال، وصلت المصروفات الفعلية للحكومة 1.239 ترليون ريال وهي أعلى بنسبة 60% من ايرادات المصلحة، بمعنى أن 40% من ايرادات الدولة الاخرى تقريبا جاءت من مصادر أخرى مثل الجمارك والرسوم وايرادات النفط والغاز والاستثمار وغيرها من المصادر، مع العلم أن 85% من ايرادات المصلحة هي نتيجة ضريبة مباشرة على ايرادات أرامكو من بيع النفط. وهذه الايردات الحكومية يعاد صرف جزء كبير منها على أوجه الانفاق التي تحدثنا عنها حيث بلغ مجمل النفقات في 2012 مبلغ 853 مليار ريال، ذهب الى قطاع التعليم 204 مليارات ريال وخصص لقطاع الصحة والشؤون الاجتماعية 100 مليار ريال، وأكثر من 300 مليار للمرتبات والأجور. هذه البنود الثلاثة فقط استحوذت تقريبا على مجمل الايردات الضريبة لمصلحة الزكاة والدخل. والمتتبع لاهداف أية سياسات انفاق حكومية، سواء للمملكة أو غيرها من الدول، يجد أن هدفها الرئيسي معالجة الخلل في الاقتصاد والمجتمع مثل الفقر والبطالة ومشاريع البنية التحتية والخدمية.
إن مشكلتنا مع الارقام ليس حجمها أو مصدرها، انما في فهمها وفهم أوجه الانفاق الصحيح ومدى تأثيره على شرائح المجتمع وقطاعات التنمية المختلفة. إن مشكلتنا مع الأرقام أيضا هي مشكلة الافصاح والشفافية التي يجب أن تصاحب الاعلان عن تلك الارقام حتى يمكن أن يتم استيعابها والتفاعل معها بالشكل الصحيح سواء من المهتمين أو غير المهتمين من المواطنين. ذلك أنه عندما تعلن مثل هذه الارقام من مصادر ثانوية أو في خبر مختصر فإنها تحدث المفاجأة وتجبر الكثير عن الحديث عنها ووضع الاسئلة والسناريوهات التي تناسب فهمه أو حتى خيالاته والتي قد يكون معذورا فيها عند نقص المعلومة والآليات المناسبة لنشرها.
إننا نعيش مرحلة افصاح وشفافية تتطلب منا التعامل مع ارقام الاقتصاد بحرفية أعلى وأدق خصوصا وأن تعدد مصادر المعلومات ووسائل نشرها أصبح خارج سيطرة الحكومات. إن هذه الحقيقة تتطلب أن تلعب الحكومة دور قيادة الوعي بالنشر الصحيح والشفاف لبياناتها الاقتصادية حتى يمكن الاستفادة منها حسب الاهداف المخطط لها.

نقلا عن جريدة الرياض