الأحد، 20 أبريل 2014

مصالحة.. لا محاججة!!

مصالحة.. لا محاججة!!

       لكي لا نقف متأرجحين بين أساسيات التعاون لدول المجلس، وبين طموحات بعيدة عن الواقع جاء بيان الرياض ليحدد المسؤوليات والأهداف، وكي نعرف حقيقة وجودنا، فبعض الدول العربية والإقليمية ترانا هياكل هشة يجمعنا الخوف، وتفرقنا الشكوك، ومن هنا كان لابد من رسم طريق واضح بحيث تبقى لكل بلد سياسته الخاصة على أن لا تتعارض مع مسار هذه الدول، ولعل زوبعة الخلاف مع قطر كشفت عن أن محاولة الخروج عن خط المجلس مهما كانت النزعات والتصورات لا يمكن أن تعمل بدون إجماع تأسس عليه أصلاً المجلس..
ثم دعونا نعدْ شريط الماضي القريب عندما تعرضت الكويت للاحتلال من قبل جيش صدام، والنوايا المعلنة من قبل إيران لزعزعة أمن البحرين، وانظروا كيف تنظر باستهجان إلى مطالب الإمارات بجزرها الثلاث، وهي تحديات لا تخص دولة بعينها أمنياً أو سياسياً، وإنما الاتجاه ظل خلق فوضى في هذا الكيان، وقطر ربما أدركت أن الحماية الأجنبية حتى بوجود قاعدة العديد الأمريكية لا تخضع لأوامر الإمارة، وأن تخطي المجلس بلعبة كبرى مع منظمات ودول إقليمية، ومحاولة التلاعب بأمن دول المجلس كان انعكاسه السلبي عليها أكبر من إيجابياته، وهنا كان لابد من إجراء رقابة للحد من تأثير تلك السياسة على أمن وتماسك دول الخليج، فجرى سحب السفراء، وكادت الأزمة تكبر لولا أن الكويت استطاعت احتواء المشكلة ومن ثم التوقيع على بيان ملزم بحضور ممثلي كل دول المجلس..
الغاية من البيان ليست الحد من حرية بلد في إدارة شؤونه الداخلية وإنما العمل في إطار المصلحة العامة التي كرسها نظام المجلس، ولعل الظرف الزمني الحساس، والقلق عربياً وإقليمياً فرضا أن تكون سياسة هذه الدول متوازنة ودقيقة إلى حد الحذر من التورط في أزمات أكبر وبالتالي لا أحد يدعي أنه منتصر وخاسر إذا كانت التسويات والفهم العميق لدور المجلس هما الغاية الأساسية..
دعونا نختلف من داخل عملنا ثم التصويت على وجهات النظر المتعارضة حتى يكون الإجماع هو سيد الموقف، أما أن تخرج أي دولة عن المبدأ العام المقر من الجميع، فإن الآثار الأخرى قد تمزق ساحة المجلس والذي بقي وحيداً أمام دعوات الوحدات والاتحادات متماسكاً رغم بطء الإنجازات المفترضة، ولكنه كأي تجمع لابد أن يتطور مع الزمن عندما تتلاقى الأهداف مع الإرادة..
الأمن الخليجي له الأولوية في التعاون، وقلنا مراراً أن ما يهددنا ليس فقط قوة إقليمية أو دولية، وإنما البنية الديموغرافية (السكانية) حيث طغى الكم الهائل من الجنسيات المختلفة على كيان بعض تلك الدول، وأن مراعاة الإغراق وشبه التوطين سوف تنسف وحدة أي بلد..
والأمر الآخر أننا لا نزال كلّ يفكر بحدود ما يراه مناسباً له، مع أنه لا فرق بين دولة كبرى أو صغرى، إذا تمازجت المصالح العليا وحددت مفاهيم المخاطر بحسب الواقع والمستقبل، ثم هناك إدارة سياسة الثروة وتوطينها، وهي مسألة لا تزال في طور النشوء ولكنها لم تفعّل كإطار عمل تكاملي..
عموماً الوقفة مع النفس إيجابية، والعودة إلى الطريق الأمثل هي اعتراف بالحقيقة لأن الجميع هم من يحددون أمنهم ورعايته.
نقلاً عن  "الرياض"

الاثنين، 7 أبريل 2014

فشل إنديك ونهاية حلم كيري

 عبدالرحمن الراشد


مارتن إنديك هو أكثر من يعرف إسرائيل، يواجه اليوم أكبر فشل في حياته. إن لم يستطع إنديك هندسته فلا سلام يرجى بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الوقت الراهن. وبنهاية هكذا، مات في مهده مشروع وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري، وكل ما حصل عليه كمٌّ كبيرٌ من الشتائم من الوزراء والمتطرفين الإسرائيليين. رفضوا حتى إعطاءه «تنازلا» صغيرا؛ إطلاق سراح معتقلين سبق وأن تم الاتفاق على منحهم الحرية في اتفاق أوسلو القديم. حتى هذا الشرط الصغير فشل إنديك ورئيسه كيري في إقناع الإسرائيليين به ليتم تأجيل المشروع إلى ظروف أخرى مناسبة.
محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، أحسن المبارزة مع أن خصومه يتهمونه بأنه «رجل الأريكة»؛ لأنه لا يحب اللعب كثيرًا، بخلاف سابقه الراحل ياسر عرفات الذي لم يهدأ حتى وهو ينازع في المستشفى بباريس.
مشاريع السلام لا تنجح فقط مع باقة ورد وعلبة شوكولاته، كلها تحققت بفضل ظروف قاهرة. الرئيس المصري الراحل أنور السادات أدرك أن السلام لن تقبل به غولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، دون أن تجبر عليه. كامب ديفيد مشروع سلام صعب ولد فقط بفضل شنه حرب 73. ولو لم ينجح المصريون في عبور قناة السويس لكانت خريطة إسرائيل اليوم نهائية على كل الضفة وغزة، والمفاوضات فقط على تنظيم الملاحة في قناة السويس.
فهل يتعين على الفلسطينيين العودة إلى ممارسة العنف لإرغام الإسرائيليين على التفاوض والقبول بدولة فلسطينية؟ بالتأكيد لا، لأن ميزان القوى في أساسه مختل مثل الفيل والنملة. كما أن وجود جماعات مسلحة في غزة، أمس وإلى اليوم، هي في معظمها جماعات تدار من قبل أطراف خارجية، مثل إيران التي تريد أن تفرض على الدولة اليهودية القبول ببرنامجها النووي، وتعترف بها كدولة نفوذ في المنطقة. وقد استخدمت لهذا الغرض حزب الله وفصائل فلسطينية. وإسرائيل القادرة على خوض معركة كاملة للقضاء عليها، كانت تخوض حروبا على غزة فقط لتقليم أظافر هذه الجماعات، وتبقيها حية بما فيه الكفاية لتعميق النزاع بينها وبين حكومة رام الله.
الخيارات قليلة وصعبة، أهمها ما ينوي الرئيس عباس الإقدام عليه، معركة دخول المنظمات الدولية هي إعلان حرب دبلوماسية، قد تتسبب في معركة عسكرية، حيث تعلن إسرائيل تحت أي غطاء احتلال الضفة الغربية وإسقاط حكومة عباس بمحاصرتها. الحقيقة، لا توجد أمامه خيارات أخرى. الاعتراف بالسلطة الفلسطينية في كل منظمة دولية نظريا يجعلها كيانا شرعيا متكاملا له نفس الحقوق الحمائية الدولية، لكنه واقعيا لا يضمن قيام دولة فلسطين بالسيادة المرجوة وإنهاء النزاع.
إنها أيام صعبة على الجميع، فقد أثبتت إسرائيل أنها دولة ثيوقراطية متطرفة، فشلت القوى المدنية في لجم طموحاتها الدينية، وهي ستقود إلى المزيد من الصراعات. والنزاع لن يموت فقط لأن إسرائيل قررت رفض مشروع كيري، والمشاريع التي سبقته، ولن تحل القضية ما دام هناك ملايين الفلسطينيين محاصرون في بلدهم، وملايين آخرين مشردون في الشتات. لقد حاولت إسرائيل مضغ الضفة الغربية، هذه القطعة الصغيرة، لخمسين عاما، وفشلت. الآن، أصبحت شبه دولة، وسكانها من ستمائة ألف نسمة عام 1967 إلى مليونين وستمائة ألف اليوم. أصبحت اللقمة أكبر من أن تتجرعها إسرائيل، دون أن تخاطر بكل كيانها. طبعا، العامل السكاني سلاح ذو حدين، فهو أيضا عبء على الحكومة الفلسطينية، وها هي الحكومة الأميركية تهدد بوقف معوناتها البالغة أربعمائة مليون دولار إن استعملت سلاح الانضمام للمنظمات الدولية قبل التوصل إلى اتفاق سلام! هذه حرب ناعمة سلاحاها المال والدبلوماسية، وعلى الرئيس عباس أن يعد مواطنيه للأسوأ في حال قرر خوضها.
نقلاً عن الشرق الأوسط

لا بديل للدولار

علي بن طلال الجهني

   
   كادت كارثة 2008 المالية أن تؤدي إلى كساد هائل أسوأ أو مماثل لكساد 1929 المروع. ولكن ولحسن حظ أميركا، وربما حسن حظ العالم الرأسمالي أجمع، أن بن برنانكي كان محافظ البنك المركزي الأميركي. وقد يكون برنانكي أخبر اقتصادي حي يرزق في كل ما له علاقة بكساد 1929 سواءً بمسببات الكساد أو بالآليات النقدية التي يمكن اتخاذها لتفاديه.
عرف برنانكي قبل غيره أن كارثة 2008 لا محالة ستؤدي إلى جفاف قنوات التمويل. ويتعذر التداول من استيراد أو تصدير أو حتى تبادل بين منتجين وموزعين في داخل بلد واحد من دون التمويل والسداد آجلاً. فلا يتم بيع سيارة أو ثلاجة أو غيرها من دون الاقتراض والتقسيط، إضافة إلى الاقتراض المباشر أو استخدام بطاقات الائتمان المعروفة. فلا بد من رفع مستوى السيولة لإمداد وسائل التمويل بقروض بتكاليف متدنية وصلت إلى ما يقارب الصفر بالنسبة إلى المؤسسات المالية الكبرى.
وكيف يتم رفع مستوى السيولة، أي زيادة المعروض من الدولارات بكميات تكفي لخفض تكاليف الاقتراض بما في ذلك ما يتم اقتراضه من طريق البطاقات الائتمانية المعتادة التي يحملها غالبية الأفراد في الدول المتقدمة؟
كل ما يصدره (أو حرفياً يطبعه) المركزي الأميركي من دولارات يحتفظ في خزائنه بما يقابل ما أصدره من دولارات بسندات أو صكوك. ولذلك فلدى المركزي الأميركي كميات هائلة من السندات.
وحينما يكون المراد رفع مستوى السيولة فإن المركزي «يبيع» من السندات التي لديه للمنشآت المالية وغير المالية ولمن يريد شراءها من الأفراد، ويعوض من اشترى السندات بطبع أثمانها من الدولارات. ولذلك تتوافر سيولة إضافية أو يزيد المعروض من النقد. وهذا يحفز من استبدلوا سنداتهم بدولارات إلى منح المزيد من القروض، فتعود قنوات الائتمان أو الاقتراض إلى التدفق. وذلك ينعش النشاط الاقتصادي. وهذا هو الهدف.
ومنذ بدأت الأزمة المالية في خريف 2007 وحتى بلغت ذروتها وشملت معظم دول العالم في 2008، بلغ ما ضخه البنك المركزي الأميركي نحو تريليون (ألف بليون) دولار، وفقاً لمقالة نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» الدولية في 22/3/2014، كتبها أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنل (Cornell) البروفيسور اسوار براساد (Eswar Prasad) بعنوان «لماذا لم يسقط الدولار؟».
والذي قصده أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنل التي تعتبر من بين جامعات الطبقة الأولى الأميركية، أنه نظراً إلى ما ضخه المركزي من مبالغ هائلة من الدولارات كان من المفترض أن الأجانب من منشآت وأفراد وبنوك مركزية أجنبية يتخلون عما كانوا يحتفظون به من دولارات، لأن زيادة كميات المعروض من أي عملة تؤدي إلى انخفاض قيمتها نسبة إلى العملات الصعبة الأخرى التي لم يرتفع المعروض منها. وهذا هو ما كان الأرجح حدوثه لو كان الدولار مجرد وسيلة للتبادل. ولكن الدولار أكثر بكثير من مجرد وسيلة للتبادل.
فالدولار عملة الاحتياط. ومعنى عملة الاحتياط، أي ما تحتفظ به البنوك المركزية الأجنبية في مقابل ما تصدره من عملاتها الوطنية. والدولار وسيلة التأمين الأفضل لحماية عملات الدول الأخرى الأصغر من هجمات المضاربين الذين يستدينون عملاتهم لبيعها في مقابل دولارات لخفض قيمتها، ومن ثم يتمكنون من الوفاء بديونهم بدفع عملات صار بالإمكان شراؤها بأثمان أقلّ.
والدولار هو العملة المفضلة لدى عامة الناس في أوروبا وآسيا بل وفي كل مكان في أوقات التوجس والاضطرابات. ولا جدال بأن كارثة 2008 المالية خلقت الكثير من التوجس والاضطرابات.
كل هذه العوامل رفعت الطلب على الودائع بالدولار، الذي كانت ستهبط قيمته لو لم ترافق زيادة المعروض زيادة في الطلب.
أليس هناك بديل للدولار في أدواره كوسيلة تبادل وكعملة احتياط ووسيلة دفاع وملجأ آمن؟
تصور الكثيرون أن «اليورو» سيكون بديلاً جيداً للدولار في جميع أدواره. ولكن اليورو عملة واحدة لبضع عشرة دولة مختلفة اقتصادياً وسياسياً. ولكل منها سياستها المالية (أي مستوى الإنفاق ونسبة الضرائب)، إضافة إلى التفاوت الهائل في درجات الكفاءة الاقتصادية. ولذلك تذبذبت قيمة اليورو ولم تثبت بما يقنع مقتني الدولار بالتخلي عن الدولار وشراء اليورو.
بالطبع معدن الذهب كان يمكن أن يحل محل الدولار في دور الدولار كعملة احتياط وملجأ من أضرار هبوط قيمة العملات الورقية. ولكن المشكلة أنه لا يوجد ما يكفي من الذهب، وتكاليف نقل الذهب وتأمينه عالية، إضافة إلى أن الولايات المتحدة الأميركية تملك أكبر كمية من الذهب منذ مستهل القرن العشرين وحتى وقتنا الحاضر.
وبإيجاز ولاعتبارات موضوعية بحتة، فإنه لا بديل للدولار في دوره كعملة احتياط، وفي دوره كأداة تأمين للدفاع عن عملات أخرى قد تتعرض لغارات المضاربين، وكوسيلة آمنة في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية. وهو عملة التجارة الدولية ليس بالنسبة إلى النفط ومشتقاته فحسب، وإنما أيضاً يتم الاتفاق على أسعار غالبية ما يتم تداوله عبر الحدود السياسية المختلفة بـ «الدولار» حتى عندما يتم الوفاء بما يقابل الثمن بالدولار من عملات أخرى.
وكما ذكر البروفيسور براساد فإن كلاً من الصين واليابان تملك أكثر من «تريليون» دولار من السندات الأميركية إضافة إلى ما تحتفظ به من ودائع بالدولار، فهل يخدم مصلحة الصين أو مصلحة اليابان اتخاذ أي قرار يؤدي إلى خفض قيمة الدولار
نقلا عن الحياة