السبت، 23 نوفمبر 2013

اقتصاديات القطاع الخاص في المملكة

اقتصاديات القطاع الخاص في المملكة
نحن جميعنا نلقي اللوم على القطاع الخاص ونصفه بأنه اناني جشع لا يرغب في توظيف المواطنين. بينما القطاع الخاص بدوره يلقي اللوم على الشباب بأنهم كسالى غير مؤهلين للعمل. ولكن للإنصاف فان اللوم لا يقع بكامله على القطاع الخاص وحده بل تشاركه اللوم الجهات المسؤولة عن التخطيط وتنظيم اسواق العمل. اما الشباب – فكما سيتبين لنا ادناه – فهم الضحية (كبش الفداء).
القطاع الخاص لدينا قطاع ناشئ (معظم رجال الاعمال طرش خطط التنمية) كان صغيرا ثم بدأ يكبر بسرعة عشوائيا منذ عام 1970 (لاحظ انها سنة بداية خطط التنمية) مستغلا التسهيلات السخيّة التي وفّرتها له الدولة الرشيدة كالإعانات والقروض الحسنة والاعفاءات – ولنقص القوى العاملة الوطنية حينذاك – سمحت له الدولة باستقدام جميع عماله من الخارج على امل ان الامر لن يطول حتى يتم اعداد القوى العاملة الوطنية (كما كانت تعدنا وزارة التخطيط) ومن ثم يتم احلالها تدريجيا محل العمالة الأجنبية التي ستعود لأوطانها مشكورة وفقا للهدف الثاني لخطة التنمية الأولى (قبل 44 سنة) ونصه: "تطوير الموارد البشرية.. وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية".
كذلك القوى العاملة الوطنية الحالية جميعها (من سن 16 سنة الى سن 60 سنة) عمالة ناشئة مولودة او لم تبلغ سن الدخول لسوق العمل الا بعد ميلاد خطط التنمية عام 1970 ومعنى هذا ان هيكلة واوضاع اسواق العمل لدينا الآن هي أيضا صنيعة خطط التنمية.
نستخلص من هذا العرض انه سواء رجال الاعمال او القوى العاملة الحاليين هما طرش خطط التنمية فكلاهما ولد وتطور واخذ شكله الحالي تحت بصر وسمع ومباركة وزارة التخطيط.
قبل عام 1970 (قبل بداية خطط وزارة التخطيط) كانت جميع الاعمال والمهن لدينا يقوم بها المواطنون وحدهم. لقد كان رجال الاعمال الكبيرة يباشرون أعمالهم بأنفسهم ومعهم ابناؤهم واخوانهم واقاربهم وأصهارهم وكان جميع عمالهم من المواطنين. كذلك كانت جميع المنشآت الفردية والصغيرة والمتوسطة كالبنائين والنجارين والحدادين والكهربائيين والسباكين والخياطين والخبازين والحلاقين والسائقين وحائكي البشوت والاسكافيين وحتى الزبالين يقوم بها المواطنون.
ولكن عندما جاءتنا وزارة التخطيط بخططها جاءت معها بالعمالة من كل حدب وصوب، ولا يمكن القول ان التنمية كانت تحتاج استقدام كل هذه العمالة، لأنه إذا كان صحيحا ان الاستقدام من اجل احتياجات التنمية فقط، فلماذا اذن فتح الباب للعمالة السائبة والمتسولة والبائعين في الدكاكين والبسطات داخل الحواري وملاحق البيوت ومواقف السيارات وامام المساجد بينما هذه العمالة لا علاقة لها بالتنمية. لقد سلّمت جميع هذه الاعمال بكاملها للوافدين وانتشرت عملية التستر وهجر المواطنون المهنيون مهنهم وفضلوا ان يمتهنوا – مضطرين – مهنة المتسترين او ينضمون الى طابور حافز والضمان الاجتماعي وصندوق الموارد البشرية لان مهنهم لم تعد تؤكّلهم عيشا لمنافسة عمال السخرة.
ما مضى لقد مضى ولا يمكننا تغيير الماضي. ولكن آن الأوان الآن لأن تتدارك وزارة التخطيط الأمور فتضيف هدفا الى اهداف خطة التنمية القادمة (ولو حبر على ورق لإبراء ذمّتها) ينص على: "إيقاف الاستقدام كليا والتخلص تدريجيا من العمالة التي لا حاجة لها. أما الذين نحتاجهم فإنه يجب حسن معاملتهم واعفاؤهم من الكفيل والاكتفاء بوجود عقود عمل عادلة تربطهم بالجهات التي يعملون فيها".
*نقلا عن صحيفة الرياض.

طرد السفير التركي من القاهرة

أخيرا كشرت مصر عن أنيابها واتخذت موقفا حاسما ضد الحكومة التركية التي تمادت مطولا في الشأن الداخلي المصري، وذلك من خلال طرد السفير التركي من القاهرة، واستدعاء السفير المصري من أنقرة، وتخفيض العلاقات بين البلدين إلى مستوى الAقائم بالأعمال.
وبالطبع، فإن توتر العلاقات بين مصر وتركيا ليس بالأمر المرغوب، ولا هو بالجيد لمنطقتنا المتوترة أساسا في كل اتجاه، لكن لا شك أن القرار المصري غير مستغرب، خصوصا أن المواقف التركية المعادية لمصر ما بعد 30 يونيو (حزيران)، والداعمة للإخوان المسلمين، قد تجاوزت كل الحدود، وعلى وجه التحديد تصريحات ومواقف رئيس الوزراء التركي السيد رجب طيب أردوغان الذي لم يوقر أحدا في مصر، حتى شيخ الأزهر! والقصة ليست قصة تصريحات هنا أو هناك، بل هي أخطر من ذلك بكثير، ولذا فقد كان لافتا ومهما ما ورد في بيان القرار المصري حول طرد السفير التركي، حيث أشار البيان إلى أن القيادة التركية «أمعنت في مواقفها غير المقبولة وغير المبررة بمحاولة تأليب المجتمع الدولي ضد المصالح المصرية»!
وهذا الاتهام هو أخطر ما فعلته الحكومة التركية «الأردوغانية» ضد مصر ما بعد 30 يونيو، وقد سمعت منذ أشهر من مسؤولين عرب على اطلاع بالملف المصري أن حجم التحركات التركية المؤلبة ضد مصر في المجتمع الدولي كبيرة ومؤثرة على الجهود المبذولة لتجنيب مصر العقوبات الدولية الفردية، أو الجماعية. ومن المعروف طبعا أن لدى إخوان تركيا تحركات واسعة في واشنطن، مما سهل فتح الأبواب هناك لإخوان مصر، وليس بعد الإطاحة بمرسي بل قبل رحيل نظام مبارك بفترة طويلة، خصوصا أن الرئيس أوباما كان يرى في النموذج التركي، أو قل «الأردوغاني»، النموذج المثالي للمنطقة، أي قبول الإسلاميين العرب بالديمقراطية، والعمل السياسي السلمي، على غرار ما فعله إخوان تركيا. وفي ذلك بالطبع تبسيط، وتجاهل لمعطيات مختلفة ضمنت عدم انحراف إخوان تركيا كما فعل إخوان مصر، وأهم تلك الضمانات التركية بالطبع هو الجيش التركي الذي يخشاه أردوغان صاحب الموقف الحاد جدا ضد الجيش المصري، وذلك خشية أن يكون القبول الدولي بما فعله الجيش المصري بمرسي محفزا للجيش التركي ضد أردوغان، خصوصا بعد مظاهرات «تقسيم» في تركيا.
وبالطبع، فإن طرد السفير التركي من مصر ليس بالموقف السياسي فحسب، بل هو صفعة أيضا للإخوان المسلمين في مصر، وإعلان واضح عن قوة النظام المصري الجديد، خصوصا أن السفارة التركية، ومنذ رحيل مبارك، كان لها تأثير مهم وكبير يفوق حتى تأثير السفارة الأميركية. ومن ثم، فإن طرد السفير التركي من مصر هو رسالة مهمة للسيد أردوغان، مفادها أن عهد الإخوان قد انتهى في مصر، والمنطقة، وأن النظام المصري الجديد بات قويا. وعليه، فإن السؤال الآن هو: هل يعتبر البعض من مناصري الإخوان بعد طرد السفير التركي من القاهرة، أم أن الدور سيكون قريبا على سفير آخر؟
 نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط"

الأحد، 10 نوفمبر 2013

خمسة أشياء قد تندمون عليها!

خمسة أشياء قد تندمون عليها!

الصديق العزيز "عبدالعزيز الحيص" - الباحث في علم الاجتماع السياسي - لفت انتباهنا إلى كتاب ألفته ممرضة أسترالية اسمها (بروني وير) اسمه "أهم خمسة أشياء يندم عليها من يموتون"..
الممرضة كانت تعمل في أحد المستشفيات، في قسم خاص بالحالات المرضية الميئوس من شفائها.. تلك التي بات رحيلها وشيكاً إلا برحمةٍ من الله جل جلاله.
كانت "بروني وير" تتحدث مع هؤلاء المرضى وتسألهم وتحاورهم أوقاتاً طويلة.. فخرجت بمادة الكتاب، التي تعتمد على خمسة أمور ندم عليها أولئك المرضى، خلال حياتهم الماضية المليئة بالصحة والعافية!
الأمر الأول: "ليتني عشت حياتي كما هي وكما أريد، لا كما أراده الناس لي".
-وكثير من الناس اليوم ينساقون خلف بعضهم بعضا، للدرجة التي يتحولون فيها إلى نسخ مزيفة بعيدة عن واقعهم الحقيقي!
الأمر الثاني: "ليتني لم أعمل بكل هذا الجهد.. الآباء حرموا أنفسهم بسبب الاجتهاد في العمل من أن يكونوا مع أبنائهم وأحفادهم، ومن رؤية جمال الحياة".
- وكم بيننا اليوم من موظفين - وهذا من عين الواقع - يبخلون على أنفسهم بإجازة خمسة أيام يقضون فيها وقتاً جميلاً بصحبة من يحبون بعيداً عن ضغوطات العمل.. أذكر أنني طالبت قبل فترة أن يصدر نظام يلزم كل موظف في الدولة أن يتمتع بإجازته رغما عنه.. حتى لو قضاها على الرصيف!
الأمر الثالث الذي توصلت إليه "بروني وير": "ليتني امتلكت الشجاعة للتعبير عن مشاعري دوماً".
- سألتكم الشهر الماضي إن كنتم تذكرون: "لماذا تحتفظون بكل هذا الكم من الوفاء والمحبة في الأدراج المغلقة.. ماذا لو قرأ الإنسان كل المشاعر الجميلة في عيون محبيه وهو حي بينهم"؟!
الأمر الرابع: "ليتني حافظت على علاقتي بأصدقائي.. فلا شيء يعادل صديقا قديما".
- وليت هذه العبارة بالذات تمر على الذين تبوؤوا المناصب فنسوا أصدقاءهم، وكأنهم لم يكونوا يوماً ما!
الأمر الخامس والأخير: "ليتني جعلت نفسي أكثر سعادة.. يا للمفاجأة، هناك أناس بالفعل، نسوا أن يصنعوا من أنفسهم سعداء"..
- إي والله يا "بروني".. يا للمفاجأة!
 
صالح الشيحي  
نقلا عن جريدة الوطن

سيندم السعوديون، ويأتون إلينا

سيندم السعوديون، ويأتون إلينا


نجيب عبد الرحمن الزامل
بعيداً عن رأي الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين في الحملات التي تمت من وزارتي الداخلية والعمل على المقيمين غير القانونيين في السعودية.. هناك أمر يجب أن نستعرضه، شيء اسمه حقنا العادل أمام الدول. والعدلُ ليس أن تقول: اعدلوا معي، بل العدل أن يقف من الناس بين من يعترضون ويظلمون من قومه، ويقول إن عملك عادل.
امتلأت صحف الهند وبنغلادش والفلبين برسائل من الجمهور العريض، أو بقصص من زوجات أو أبناء لعاملين يعملون بالسعودية يتهمون أنه تم التعامل معهم بقسوة ولا إنسانية، حتى أن بعض رسمييهم ألقى من الكلام والتهم ما يساير الغضبة الجارفة العامة. مسئولٌ هندي قال: ''سنرى إن لم يأتِ السعوديون ويطالبون بعمالتنا من جديد، فهم لا يعون إلا بلسعة الواقع، ولا يملكون شعباً عاملا''. وأقوال وبرامج تلفزيونية جعلت من الموضوع شأنا قوميا، نائبة برلمانية في بلد كانت حمقاء قالت: ''هذه إهانة وطنية، السعوديون يرمون بالقفاز في وجه بلادي، وهذا لا يُسكت عليه''.. على فكرة ـ لم أقل أنا صفة حمقاء، ليس من عادتي التعبير بالصفات السالبة، ولكن صحفيا مشهورا ببلادها ناداها يا حمقاء، بمعرض قوله: ''إنّ قوماً - أي السعوديين - يرتبون بيتهم الداخلي لا يمكن أن يكونوا يقصدون عداءً وطنيا كما تقولين، هذه سذاجة''.
في صحيفة هندية، وسبق أن خصصتُ مقالا لذلك، أرسلـَتْ امرأةٌ هندية مقيمة بجدة مقالا ضافيا عن وضع الهنود بالسعودية، وقالت: ''ألا يحق للسعوديين بتطهير بيتهم مستخدمة الفعل الإنجليزي ''Cleans''؟''. وتمضي قائلة: ''إن كان لي عتبٌ على السعوديين فهو أنهم تأخروا بذلك جدا، وجعلوا بلادهم مفتوحةً للضائعين والفالتين من جنسيات الشعوب بسبب الضبط الضعيف، وبسبب الإسراف بمنح التأشيرات لمن لا يستحقها، حتى أصبحت تجارة بحد ذاتها، والتضييق على الصانع أو التاجر الحقيقي الذي سيكون مسؤولا أمام الحكومة فعلا عن العاملين الأجانب، بينما تُرخى اليدُ لآلاف التأشيرات لمن لا يحتاجها، فحدث أمران: توجهت هذه العمالة باتفاقيات معروفة للعمل مع من يحتاجونها موقعة من قبل أصحابها الذين مُنحت لهم ولا يحتاجونها. وبرزت سوقٌ رديفة ومهيلة لعُمال فالتين ينتظرون حظوظهم في الميادين ومفارق الطرق. هذا الأمر توعَى له السعوديون بعد أن أثخنتهم جراح هذه الحالة ليس بالتركيب الأثني فحسب، بل بضعضعة المجتمع، والبحث عن الكسب بأي طريقة حتى ولو بالأعمال الإجرامية، والأعمال الممنوعة قانونا وشرعا فيها. فهل تنتظرون أن يسكت السعوديون؟! لقد قاموا بالضبط ما يجب أن تقوم به أي دولة عاقلة وحريصة''.
ويكتب السيد ''فريد لوبو''، وهذا الكاتب هو النسخة الفلبينية من الكاتب المصري في زمانه الدكتور ''يوسف إدريس''، فهو كاتب واسع المعرفة، ولكنه غضوب متدللٌ حرِن، متقلب، انتقاده سام، ومدحه وله وعشق.. وله قراء بالملايين بالفلبين، واجتمعت معه بسفارتنا بالفلبين لما كانت تدور فكرة أن الفلبين أهم دولة تربطنا بها علاقات خارج المنظومة العربية والإسلامية، لأن أكبر تعاملنا معها هو أهم عنصر: البشر. وطرأ علينا أن نقنع كتاب الفلبين بالواقع الفعلي السعودي بزياراتٍ منتظمة داخل أو خارج السفارة تُبنى على علاقات صداقاتٍ شخصية أكثر منها رسمية، ونجحت الخطة خصوصا في إطفاء فتيل حملة قامت ضدنا تتهم السعوديين بأنهم وراء بيع الفلينيين لأعضائهم، فتدخل الكتاب وشرحوا الحقائق بعد ثورة رأي عام أطاحت تماما بتعاوننا مع مستشفيات كبرى هناك.
ودار نقاش بالهاتف مع كاتب فلبيني حول الموضوع، وسأل عما قرأه عن 1500 فلبيني قبضت عليهم السلطات السعودية لنقص في أوراقهم وما الذي سيحصل لهم؟ أخبرته أن أفضل عمالة لدينا في المملكة هي العمالة الفلبينية وأقلها قضايا خارج العمل، وأننا نحترمهم، حتى أن الفردَ السعودي يشرط شرطا على مقاول منزله أن يكون الفنيّون فليبينيين، وعندي معلومات بصفتي مقربا من الجالية الفلبينية بالسعودية عن فلبينيين مقيمين مع أسرهم بالسعودية لأكثر من ثلاثة عقود. وأن الأمرَ هو تصحيحي، بدون ما يتصوره عن أي عقاب. وكتب السيد ''لوبو'' في الأمس عن ذلك وطلب فقط تدخل الحكومة الفليبينية ومشيرا إلى أن العمالَ غير نظاميين.
في قضايانا الصحيحة بما يتعلق بالتعامل مع دول، لا نترك الأمور تسير ضدنا ونحن محقّون.. فالتواصلُ الرسمي أولا مع السفراء الذين نطلب منهم توضيح المسائل الملتبسة على شعوب بلادهم، وتواصل الكتاب وأصحاب الصلات من التجار والمهتمين كل بمقدرته في توضيح الأمور العادلة، ليساعدوا بإثبات حقنا العادل.
العلاقاتُ الدولية فنٌ إنساني.. أيضا.
نقلاً عن جريدة الاقتصادية

صراع المدن!

صراع المدن!

ينشغل العالم وهو محق بالصراع الاقتصادي في شكله المعروف والتقليدي والمتعلق بالتنافس التجاري والصناعي بين الدول الكبرى والناشئة. ولكن هناك نوع آخر من التنافس المحموم بين المدن العالمية الرئيسية لنيل المكانة الأساسية كقلب الاقتصاد ومركز صناعة القرار المؤثر على العالم، سواء بثقافته وأذواقه وخياراته. والتنافس على أشده اليوم بين مدينتي لندن ونيويورك، وإن كانت الكفة تميل وبقوة لصالح العاصمة الإنجليزية التي تمكنت من أن تكون نبض العالم بامتياز.
سنوات طويلة جدا كانت فيها لندن مثارا للسخرية والنكات بسبب رداءة الخدمات فيها وسوء البنية التحتية التي وفرتها. وكل هذا جاء لصالح مدن - مثل نيويورك وسنغافورة وهونغ كونغ - استفادت من ذلك وانعكس هذا الأمر على الاستثمارات التي حلت عليها والتطور العقاري والعمراني الهائل، وكذلك تحسن مهول في الخدمات والبنى التحتية.
ولكن لندن أخذت على عاتقها أن تتحدى مصاعبها وخصصت الملايين من الجنيهات الإسترلينية لتلافي العيوب، وعبر السنوات تمكنت من استقطاب أهم العقول والكفاءات المهاجرة إليه (وهي سمة مشتركة في كل المدن الناجحة، قدرتها في جذب الكفاءات والعمل على توطينها)، وأصبح هناك مصطلح جديد هو الاقتصاد «اللندني»، نظرا لأن اقتصاد المدينة كان أداؤه مغايرا وتصاعديا أكثر من أداء الاقتصاد البريطاني بمجمله، بل إن الأمور الاقتصادية تطورت في لندن بشكل مذهل حتى باتت جيوب داخل المدينة نفسها لها اقتصادها الخاص ومؤشراتها مثل المربع الذهبي في منطقة نايتسبريج الشهيرة والمعروفة بمبانيها الفارهة ومتاجرها المعروفة.
واليوم يعد عمدة نيويورك (المغادر لمنصبه بعد انقضاء المدة المسموحة له) الملياردير الأميركي مايكل بلومبرغ أن تكون لنيويورك مكانة جديدة وأكثر جدية وقدرة على منافسة لندن وهو محق. ففي حقبته تم تطوير المدينة بشكل مبهر ومهم وتحسن الكثير من المرافق المهترئة والمتدهورة.
أوروبيا فقدت باريس الكثير من بريقها بسبب السياسة الضريبية غير المنطقية والتي تسببت في هجرة الكثير من رؤوس الأموال المؤثرة والفعالة جدا من المدينة على عجالة، وبرلين حتى الآن لم تتمكن من إحداث النقلة المأمولة منها كما يليق بعاصمة الاقتصاد الأوروبي الأكبر وثالث أكبر الاقتصاديات العالمية ولم يكتب لها التوفيق الكامل في استقطاب المشاريع الكبرى المطلوبة لها.
هونغ كونغ من جهة أخرى تفوقت واستقوت تماما على طوكيو وسيول وبانكوك وكوالالمبور تماما، وتبقى سنغافورة وحيدة تحاول اللحاق بجدية وجدارة خلف المدينة الصينية العتيدة التي باتت قلب الشرق الأقصى كمعيار للتفوق الجديد.
وهناك نجم يسطع أفقه من بعيد ويراهن عليه الكثيرون وهو دبي، دبي بفنادقها وأسواقها ومطاراتها وشبكة مواصلاتها الحديثة ومطاعمها وحكومتها الذكية وشفافية أعمالها ونظامها المصرفي ومينائها وجميعها يسعى لتطويرها باستمرار. تكون دبي قد دفعت «رسوم الاشتراك» في نادي المدن الكبرى في العالم وقد يكون من المرشح أن ينضم إليه إسطنبول وسيدني وفانكوفر لأسباب مختلفة، كل على حدة.
السباق المحموم في اقتصاديات المدن سيعود بفائدة وقيمة مضافة للعالم بأسره لأنه سيأتي بخدمات أفضل وقيمة أحسن وترفع سقف المتوقع والمقبول كمعيار للتقييم بين مدن العالم الأخرى التي كانت ترضى بالقليل والهزيل.
نعيش عالما جديدا له شروط جديدة، هناك من يلعب ويسجل وهناك من يشاهد ويشجع وهذا هو الفارق الكبير.
نقلاً عن صحيفة "الشرق الأوسط"

ونفد الدجاج من سوريا

ونفد الدجاج من سوريا

أغلقت معظم الشركات أبوابها منذ أن بلغت نيران الثورة السورية ضواحي دمشق، وعمت الفوضى المدن الكبرى مثل حلب. وإقفال آخر مطعم لسلسلة «كي إف سي» الأميركية، التي تبيع وجبات الدجاج السريعة هناك، جاء دلالة أخرى على انهيار الوضع، حيث لا مال، ولا تمويل، ولا مستهلكين. لم يعد مطار دمشق يعمل إلا بربع طاقته، ولم تعد ترى على الطرق شاحنات النقل التي تحمل البضائع، لمطاعم مثل «كي إف سي». تقريبا، كل معابر الحدود البرية الرئيسة باتت محتلة من قبل الثوار، باستثناء بوابة لبنان معبر المصنع. والأتراك بدأوا ببناء جدار عازل مع سوريا خشية من منسوبي النظام وإرهابيي «داعش» و«النصرة».
ولم يكل النظام، حيث يقاتل بضراوة لاسترداد بعض المعابر الاستراتيجية، مثل بواباته مع العراق من أجل تأمين دخول السلاح والوقود، حيث لا يزال النظام العراقي الممول الأكبر له. والمعارك مستمرة بعيدا عن الحدود، من أجل استعادة الأحياء والضواحي المجاورة لطريق مطار دمشق، التي تسببت خسارتها خلال الأشهر الماضية في محاصرة الطريق الاستراتيجي وقطعه. وفي معظم أحياء العاصمة نفسها، لم يعد سهلا على الأهالي التنقل من حي إلى حي، ولا توجد هناك حياة حتى في مناطق يسيطر عليها النظام، حتى أغلقت المطاعم والشركات آخر فروعها.
هذا هو حال سوريا اليوم، والذين يريدون مفاوضة حكومة بشار الأسد عليهم أن يعرفوا حقيقة الوضع على الأرض، وكيف أصبحت دولة النظام مجرد عنوان بريدي افتراضي. طبعا، هذا لا يعني أن هناك نظاما بديلا يقوم مقامه، بل البلاد في حالة شبه فراغ إداري وسياسي. وبالتالي، كيف يعتقد البعض أنه يمكن لمؤتمر جنيف فرض قرارات على بلد بلا آليات إدارية وتنفيذية. ولولا أن المعارضة مقسمة إلى عشرات الكتائب غير المترابطة، لكانت اليوم تحتل وتدير جزءا كبيرا من التراب الذي استطاعت الاستيلاء عليه، لكنها مجرد ميليشيات مقاتلة تستولي على حواجز ومواقع، وأحيانا تستولي على مدن بأكملها، لكنها لا تملك القدرة على الدفاع عنها، ولا الإمكانيات لإدارتها. وبعض المناطق انسحبت منها قوات النظام السوري لتتركها لجماعات «القاعدة»، عقوبة من النظام لسكان هذه المناطق، وحتى تكون عبرة لبقية المناطق المتمردة بأنها ستسقط في يد الجماعات المتوحشة، تقول للسوريين: إما قوات الأسد أو جماعات «القاعدة» المتطرفة.
وهذا ما يجعلنا نتحدث عن حقائق أساسية؛ وهي أن قدرة النظام على البقاء والتعافي والعودة لإدارة البلاد لم تعد ممكنة، سواء وجد البديل أو استمر الفراغ. الذي يستطيع نظام الأسد الاستمرار فيه لفترة ما، هو الحرب لأنه ينفق كل مدخراته ورجاله عليها، ولأنه يحصل على المدد من كل الأطراف الداعمة له، التي تريد مساندته عسى أن يحصل على حل سياسي ينقذه لاحقا. أما كيف يمكن لحل سياسي أن يعيد النظام، فسؤال صعب الإجابة، لأنه لم يعد يملك شيئا يدير به الدولة، بقيت مدن مدمرة ونفوس مليئة برغبات الثأر.

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"